حكاية الفتي الطموح بونابرت الذي ادعي النبوة ووقر النبي.. وهدم المساجد!

حكاية الفتي الطموح بونابرت الذي ادعي النبوة ووقر النبي.. وهدم المساجد!

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 21ـ6 ـ 2011

لعبت بلاغة القادة والحكام دورا ما في ترسيخ دورهم السياسي، كما لعبت أدوارها مع الجميع، فحفظ العالم تعبير "مارادونا" الشهير، حين أحرز بيده هدفا، ثم قال معلقا (إنها يد الله) أو قول النحاس باشا مثلا عن المعاهدة (بيدي هذي وقعتها وبيدي هذا ألغيها) أو تعبيره الطريف الشهير "نحن مبسوطون من هذه الوزارة" كما حكي لنا المؤرخ صلاح عيسي في "رفعت العلم يا عبد الحكم".. أيضا كان نابليون بونابرت له بلاغته التي عاش "يأكل منها " ويفعل عكسها تماما ،ولذا فإنه صرخ حين سمع بوجود أسطول إنجليزي في الإسكندرية قائلا (أيها الحظ.. أتتخلي عني؟ أمهلني خمسة أيام فقط". وقد فعلها الحظ معه). وقد عرض الشاعر المترجم عاطف عبد المجيد برشاقة كتاب " علماء بونابرت في مصر "لروبير سوليه، بالعدد574 حيث قدم الكاتب صورة "مجاملة " لشخصية بونابرت، وبالتالي لدور الحملة ذاتها وتأثيرها، وهو ما يصادم الشعور المصري الذي ثار علي نابليون ومن خلفه حتي الرحيل . في مسألة النوايا والبطون كما يروي الضابط الفرنسي جوزيف ماري مواريه في كتابه "مذكرات ضابط في الحملة الفرنسية " والذي ترجمته كاميليا صبحي أن نابليون وجه رسالة محبة ملتهبة إلي مصروشعبها «إنما جئت لأرد لكم حقوقكم، وأعاقب مغتصبيكم وإني أوقر الله ورسوله والقرآن أكثر من المماليك» ولكن هذا الحنان لا يلبث أن يتبخر وهو يقرر في نفس الخطاب «جميع القري التي ترفع السلاح في وجه جيوشنا سيكون مصيرها الحرق». ويصور "سوليه" سعادة أهل مصر جميعا من التجار والخدم والعمال بالضيف الفرنسي الكريم، وبالزبون الفرنسي الذي يمتلك القدرة الشرائية، لكنه يجد نفسه أمام ثورات لا يمكن تحليلها وفقا لهذا المنطق، فجعل الثورة بسبب «سلسلة من الإجراءات التي لا يستوعبونها» . إن النظر للوجود الفرنسي في الشرق، لا يكتمل إلا بشمولية الرؤية للعالم في هذا التوقيت، وهو ما يرصده "هنري لويس " في كتابه " بونابرت والإسلام" ت: بشير السباعي حيث يذكر " أن فرنسا كانت الشريك الأكبر للإمبراطورية العثمانية، من خلال الشبكة التجارية الرائعة في ثغور شرق المتوسط، ويعمل كادر مكون من قناصلة ومترجمين عليمين باللغات الشرقية «مستشرقون» علي مساعدة التجار الفرنسيين، ويطلع الملكية بشكل دقيق علي شتي المجريات المهمة في هذه المنطقة " صـ14 .. إن العقل - كما يتصوره الأوروبيون نشأ في مصر، وانتقل إلي اليونان، ومنها عبر علي العرب، ثم استقر في أوروبا، ولذا فقد كان لابد من ارتقاء أصحاب العقول، وبتعبير مخيف وشهير "سيسل رودس" وزير المستعمرات البريطانية، أن (ليكما ننقذ أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية مهلكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي علي أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم. فالإمبراطورية، هي مسألة بطون. فإذا كنتم لا تريدون الحروب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا استعماريين". إسلام بلا ختان لا يمكن إغفال مسألة الرغبة الاستعمارية من الحملة الفرنسية، مثلما لا يمكن إغفال القيمة العلمية لها، لكن قيمة أخري تبدو جلية، إنه التلاعب الحقير بوتر شديد الأهمية لدي المصريين، وتر الدين، رغم أن الجيش الفرنسي كما يقول " دينون " في كتابه "رحلة إلي مصر السفلي ومصر العليا " يقول إن الجيش الفرنسي جيش مرتزقة، لا يهمه إلا السلب والنهب، فهل هذا هو الجيش الذي جاء يعلم الشعب المصري ؟ إن "موراي" الضابط الفرنسي الذي سبقت الإشارة لمذكراته يقول إنهم تركوا الاسكندرية حطاما، ويشير هنري لويس أن كليبر أشار لجنوده يحذرهم، لأنهم كانوا يتبولون ويتبرزون بجوار المساجد والمقابر". لقد جاء نابليون متصورا بأن خداع الشعب سهل يسير، ووصل به الحال أن ادعي النبوة - كما يقول الجبرتي ذاته - حين قال نابليون في بيانه إلي سكان القاهرة في 21 ديسمبر 1798م " إن العاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله وإرادته، وأن من يشك في ذلك فهو أعمي البصيرة، واعلموا أيضا أمتكم أن الله قد قدّر أن أجيء من المغرب إلي أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها، وأَعْلِموا أمتكم أن القرآن العظيم صرّح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل". نفاق سياسي بلا شك كما قال ستندال، وخداع للمصريين كما وصفه الجنرال "ديبوي "، لقد شهدنا بعد ثورات المصريين (تخرب جامع الرويعي، وجعله الفرنسيون خمارة، وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح، وجعلوا جامع أزبك سوقا " الجبرتي ج2 صـ167 . ولذا يرصد الجبرتي أنه بعد حرب الفرنسيس بولاق بدأت تظهر الفواحش ومنها تبرج النساء، وخروج غالبيتهن عن الحشمة " وسعي كثيرات للزواج بالفرنسيين بعد أن يظهر حالة العقد للإسلام أن يظهر إسلامه كحالة مينو الذي أسلم بلاختان وينطق الشهادتين، لأنه ليس له عقيدة يخشي فسادها". لا يمكن إنكار الحملة وآثارها، مثلما لا يمكن صد رياح التغيير الهائلة التي اقتلعت ثوابت المجتمع، وجعلت مرجعيته تتبدل، وما يرصده البعض وقت الحملة الفرنسية بجعلها نعمة من السماء نزلت لتزيل غشاوة اجتهد المماليك قرونا في حبك أطرافها علي عيون شعب مصر، وقد سجل الضابط الفرنسي " موريه " في " مذكراته يصف - مثلا - نساء الإسكندرية قائلا " وترتدي المرأة رداء طويلا أزرق لا يغطي إلا مساحات قليلة من جسدها، وهو يكشف صدرها تماما، فيجعله معرضا لنظرات الجميع " ثم يقول الضابط الفرنسي " والمرأة تسير حافية مثل الرجل، وفي كل القري تسير الفتيات من سن الثانية عشرة إلي الرابعة عشرة عرايا، فقد بلغ الفقر بهن مذهبه حتي صرن علي هذا القدر من الفحش الذي يصدم عاداتنا وتقاليدنا" . ويبدو أن الضابط قد حاول رد الصفعة الأخلاقية التي ألقاها المصريون علي وجوههم، إنما في كل الأحوال هناك بوادر وعي زرعت في التربة المصرية، ورعوها هم حتي نمت وازدهرت، مما جعل الدكتور لويس عوض يعتبر حركة تحرير المرأة أو ما يسميه " ثورة الحريم " نتاجا لصدامهم بالمرأة الفرنسية التي صاحبت الحملة الفرنسية . ويروي " كلوت بك " في كتاب له بعنوان "لمحة عامة إلي مصر " ج1صـ652 كما ينقل عنه لويس عوض موقفا لطيفا دالا، وهو أنه حين تزوج مينو بامرأة مصرية من رشيد، كان يعاملها باللطف الفرنسي المعروف، فيقبل يدها، ويجلسها قبله علي الكرسي لتناول الطعام، وهكذا، فلما كانت في الحمامات العامة روت لصويحباتها هذه الأمور، فحررن عرضا قدمنه إلي السلطان الكبير بونابرته ليحمل أزواجهن علي معاملتهن بمثل ما يعامل مينو زوجته الرشيدية". ولذا سنجد الجبرتي يورد بيانا من علماء الأزهر صدر في أكتوبر 1798 بتحريض من نابليون، وجاء فيه " نصيحة من كل علماء الإسلام بمصر المحروسة، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ إلي الله تعالي من الساعين في الأرض بالفساد، نعرف أهل المحروسة أن طرف الجعيدية وأشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا أصحابا وأحبابا بالسوية " والحق أن الحملة الفرنسية لم تكن مطلقا مجرد هجوم عسكري عابر، لكنها كانت أيضا صدمة أفاقت المجتمع وأعطته القدرة علي التمييز، لقد جعلت الحملة الفرنسية اللقاء بين نصفي المجتمع المصري (الرجال والنساء) يصبح مباشرا، بعدما كان المجتمع أعرج الجسد، من خلال امرأة بلا دور، لكنها لم تكف المجتمع شرها، فاقتنصت أتفه الأدوار، ومع الحملة بدأت المرأة في الظهور الإنساني، بعدما كانت مكتفية بالوجود الأنثوي في بعض الأسواق والحمامات ودور المتعة، لم ولن يكون نابليون كنزا، لكنه ثعلب استعماري كاذب، كان يعد كثيرا ولم يفِ مطلقا، كان ضيق الصدر بالديمقراطية، طاف بمصر، وفر إلي فرنسا، ومنذ مضي - كما كان المتنبي، نام ملء جفونه عن شواردها، وها هم الخلق مازالوا يختصمون حوله .

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<