«كناري» مولود الثورة الخارج من رحم الأسي في مجموعة " كناري "

«كناري» مولود الثورة الخارج من رحم الأسي في مجموعة " كناري "

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 28 ـ 6 ـ 2011

ستجد التبشير بالثورة عبر عدة قصص،سنجده واضحا، لكن الفن يفوق السياسة بكل تأكيد في هذا العمل، ليس مجديا مطلقا استخراج شهادة وطنيةٍ لكل مبدع من خلال قصيدة أو قصة أو رواية تنتقد الوضع العام سابقا، لكن الأجدي السؤال : كيف رصد المبدع هذا التدني السياسي في مصر وقتها ؟ في صقيع ديسمبر 2010م صدرت المجموعة عن سلسلة " كتاب اليوم " ولكن فرحة استقبال هذا المولود الأدبي الجميل غطتها فرحة استقبال مولود أهم، أعني الثورة التي انتفضت بها أمتنا،لتكتب قصة قصيرة جميلة تزين تاريخ مصر الطيبة . عصافير الخميسي وخيوله تضم المجموعة عشرين قصة، مغموسة كلها بحس إنساني رفيع، قدم لها القاص محمد المخزنجي، مؤكدا أننا أمام كاتب كبير، ينهض علي روح متعففة، وثقافة واسعة عميقة، ثم إنه يمتاز بتواضع صادق حيال ما يكتبه، وشك في كمال المنجز وهما سمتان من فضائل أي كاتب حقيقي" . تتصل قصص المجموعة اتصالا روحيا وثيقا عبر لغة هامسة متدفقة، لغة شاعرة، بدون تدفق الشعر، كأنها لغة نبوءات مختصرة وعميقة وموحية، يكاد أبطاله يعيشون مشاعر واحدة متصلة، فأشخاص "الخميسي " يعانون وحدة مخيفة، هذه الوحدة تظلل حياتهم، وبجوارها يقبع الانتظار القاتل، دائما هناك انتظار مالا يجيء - كما يعنون فاروق شوشة أحد دواوينه - بل سنجد الانتظار نتاجا للوحدة البادية علي سحناتهم القلقة المتوترة . في القصة الجميلة التي تحمل عنوان المجموعة، يبدع الخميسي لونا نادرا في أدبنا العربي الذي يتناول الطير والحيوان، بسبيل يختلف عن "كليلة ودمنة" وأشباهها، تصوير الحيوان والطير باعتباره جزءاً من الحياة الإنسانية ذاتها، أي في علاقته بالناس، لكن "الخميسي" يلتقط ملمحا باهرا، إنه يشخصن بعض أبطاله ولو لم يكونوا بشرا، مثلما سنري في قصته الفاتنة التي عنونها بـ "قصة "، نعود لـ "كناري" لنتوقف مع الراوي، يحدثنا كيف امتلك "عصفورة صغيرة" من بين ستة مليارات إنسان، وبين ملايين الجبال والبحور، وعدد هائل من الكواكب والنجوم" لكنها تتحول لحياة كاملة، يقول لها تصبحين علي خير، وتقول هي له :يا سبعي،تراه يستحم، فتقول له " تمساحي في النهر " حتي يصل الأمر لتقول له "الجو صحو .. هيا بنا نطير" ورغم معارضته، فهي" تقبض بمخالبها الصغيرة الدقيقة علي ياقة قميصي، وترتفع . تقوم بدورة كاملة في الجو غير بعيد عني، تزقزق، تدخل وتخرج من سحابة إلي أخري، وتهبط، وتعلو، وأنا أتأملها . ثم تحط أخيرا علي الأرض حيث أقف وتصيح بنشاط وهمة" قصة فخمة في لغتها وفي فهمها لطبيعة فن القص، قصة صاخبة بالرؤية، معجونة بفلسفة رشيقة، إنها تصور شعورا بالاغتراب في عالم مسكون بستة مليارات من البشر، ورغم ذلك فليس لدي الراوي سوي (فقط عصفورة صغيرة ) ثم حين تنطلق العصفورة، وكأنها حبيبة قادرة علي الحلم لحبيبها والانطلاق معه إلي غد مبهج، نجد حاجات الإنسان تبدو يسيرة حتي لا تتخطي الحب، حين تقول عصفورتنا لحبيبها الضخم الهائل (لا تخف يا صغيري . لا شيء ولا أحد في الغابة قد يهددك . أنا معك . نم . ) . وقدم في قصته "حصان أحمر " طرقا رشيقا للأسطورة، حين تغلف بفنية الحلم والحكي . "بالأمس رأيت بين الحقول حصانا أحمر، كان يقف في هواء أحمر خفيف، فظننت أنه حلم، لأنه لم يسبق لأحد أن شاهد حصانا بهذا اللون " هكذا تبدأ القصة واضعة أساسا ساحرا لها، لكن سحر الواقعية لديه يجعله يضفر أسطورته من خلال حكاية الجدة للطفل الذي شاهد الحصان وحكي عنه لجدته، فتحكي هي عن توافد خيول الدنيا علي غابة مهجورة، لتفكر في كيفية وجود حصان أحمر يمنحهم القدرة علي المقاومة في هذا العالم، ولأن الصبر والشجاعة والقدرة علي المواجهة لابد لها من ثمن، كانت آراء الأحصنة الأخري، لابد أن يكون أحمر، ثم لابد أن ينقع في الدم أعواما، ولابد أن يولد في حريق، وأن يأكل أعشابا حمراء ويشرب ماء أحمر ... لكن ثمة بعداً مذهلاً وراء هذه القصة الأسطورية، إننا أمام "تعديدة " وبكائية لهذا العالم الوقح المتوحش، تكمل الجدة (ولم تكن هناك أرض مثل غزة تجري فيها الدماء بهذه الوفرة، ......... خرجت الخيل كلها تشق طريقها من بحر البقر، وشبعا وصبرا، وشاتيلا والجولان، خيول من كل الأزمنة) . قصة جارحة لسكون النفس، يضع الكاتب حجرا حجرا في بناء بهي متين، ليقدم رؤياه السياسية في ثوب مغلف بالجمال، وفي شكل أسطوري حديث ينشيء لنفسه أسطورته الأنسب والأعمق . ومن هذا الإطار المعيش ذاته تدهشك قصة شديدة البساطة بعنوان "باب مغلق" وهي تستدعي عوالم قريبة مما عالجه أستاذنا عبد الرحمن الخميسي في قصصه القصيرة " من الأعماق" ثم "صيحات الشعب"، "قمصان الدم ،"لن نموت"، "رياح النيران" و "ألف ليلة الجديدة" و "دماء لا تجف"، "البهلوان المدهش" أمينة وقصص أخري" . نعود لقصة "باب مغلق" نري فتاة صغيرة تعيش مع أبيها بواب إحدي العمارات، تلبي مطالب السكان ، لكنها تجد حنانا وأمومة لدي الأستاذ موريس وزوجته جانيت، فهما لم يرزقا بأطفال، لكن الأب يموت، والطفلة (ظلت واقفة تمسك قبضتاها الصغيرتان بالسور الحديدي لسلم العمارة، رأسها مدلي تنظر علي الفرشة التي كان ينام عليها ابوها تحت وتبكي) وحين يتبرع موريس برعايتها وكأنها ابنته التي لم ينجبها، تبدأ نظرات ثم كلمات الناس طلقات تجرحه، بأنه "سيخليها نصرانية" وتزداد الضغوط، ويضطر لطردها، رغم حزنه وقلبه الكسير، وحين تلح عليه الطفلة أن يدخلها، يرد ودموعه تفر: "ما اقدرش يابنتي، والعدرا ما أقدر والنبي. والباب مغلق، وخلف كل ناحية شخص وحيد بحاجة للآخر".. عمل لا يحتاج لتعليق. رشقات ناعمة كما أنه يستحيل علي الكاتب أن يتخلي عن رؤاه الفكرية في إبداعه، فمن المستحيل أيضا أن يقدم الفن هذه الرؤي مجردة، من الضروري أن يكون الفن - بتعبير د. عبد العزيز حمودة - " ليس تعبيرا عن الحياة، بل إضافة وتنمية لهذه الحياة " . الأدب السياسي يكون - كما يقول ستندال - مثل طلقة في حفل موسيقي صاخب، تكون فوضوية ولكن ضرورية لجذب الانتباه ". في عدة قصص يرتفع النداء السياسي رائقا بارعا، في " محاكمة " يستطيع القارئ أن يري بوضوح تام كيف ينتهك العدل علي جميع المستويات، نحن في محكمة، نري "حازم الشيباني" في قفصه محبوسا ليحاكم أمام القاضي علي تهم كثيرة منها "الاستيلاء علي قطعة ارض لجاره حسين الصباح، وشبهة حيازة سلاح بدون رخصة، وعقده صلات مريبة مع جماعات المتطرفين، واستبداده بأهله، كل ذلك وغيره يجعله الآن يقف منكسرا بعدما كاد يقتل علي يد "السيد العجمي"، وهو الشاهد الوحيد الذي يطلب الدفاع منه الحديث، ليروي كيف توجه لقتل "الشيباني" بعدما أزعج من حوله وتضخمت ثرواته، خاصة أن جيران "الشيباني يستنجدون سرا بالسيد العجمي، الذي يأتي ليقر العدل كما يتصوره .. بينما تتواصل إجراءات المحاكمة، يقوم القاضي، ويرفرف من خلفه طرف عباءته كطائرين أسودين يتخبطان في الفضاء". الرموز فاضحة بشكل ربما فيه قدر من المبالغة، قدر من التهاون الفني مع القارئ، القصة معالجة رهيفة لمأساة العراق بعد غزو صدام، ثم ضرب أمريكا للعراق، ونهب ثرواته، ثم محاكمة صدام، بداية من اختيار الكاتب لأسماء شخصياته، سنري "حازم الشيباني" أو صدام حسين التكريتي، ثم جابر الصباح في ثياب شخصية الخميسي "حسين الصباح" ثم القاتل "السيد العجمي" نعم هو السيد، وأمريكا هم العجم غير العرب، ثم نخطو خطوة مع ادعاءات السيد الأمريكي المتغطرس الكاذب، بأنه يقيم العدالة والحرية . طرح مواز دقيق للقضية الأصلية، جاءت رغم الوضوح الزائد، مسايرة للحدث علي مستوييه : القصصي والسياسي، تلملم القصة إزارها، لتغطي كراسي السياسة، وفضائح أطماعها، حتي تمد السياسة ساقيها في وجه قارئ القصة، بينما نجد التسامي الفني في قصص أخري أكثر تخفيا، وأهنأ بفنها، مثل "ليلة مبهمة"، "انتظار"، "بدلة" و"نظام جديد" . أبطال القصص الثلاثة مغسولون بسوءات السياسة تماما، لكن قصة "انتظار " تقدم نموذجا فذا للرؤية العميقة المتشوفة، لكن التوقع السياسي أمر يختلف تماما عن التوقع الفني، ويكمن الاختلاف في كيفية إبداء هذا التوقع، ومدي عمق الرؤية، في هذه القصة العذبة، نجد شخصا يتوقف، صامتا، ليعلن انتظاره لشيء، ويوما بعد يوم يأتي له كل المتعبين والمساكين والعاطلين، ليمارسوا فن الانتظار المبشر، وحين تفرق عصي الشرطة الجمع الصغير، يسيرون دونما اتفاق بعيدا عن القاهرة، ويجلسون في دنياهم يتبادلون حكايات عن مليارات تسرق، وفتيات جميلات تزين جلسات الآخرين، وحرائق تلتهم وثائق خطيرة، إلخ. الرجل الأول الذي بدأ الانتظار، صعد إلي تل، وزرع فيه خرقة صغيرة علي عصي، بدت صغيرة جدا، ثم تشتد بقوة وترفرف علما علي طين يختلج بالانتظار " القصة واضحة في رقة شاعرية بهية رقيقة، هامسة، ناعمة، لكنها غاضبة ثائرة، بدون تعال علي متلقيها، مثلما رأينا قصة بعنوان " قصة " تتحول فيها القصة أو الورقة التي تحمل قصة مكتوبة إلي شخصية من لحم ودم، يقدمها الخميسي مغموسة بماء الفن النادر، فن أدهشنا به الخميسي الكبير - الأب عبد الرحمن الخميسي - وواصل الدكتور أحمد رحلة شاهقة في رقيها وجمالها، يرتاد دروبا تزدان بحب حقيقي لفن القص . كنز نحن أمامه لكل عشاق الكنوز .

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

حكاية الفتي الطموح بونابرت الذي ادعي النبوة ووقر النبي.. وهدم المساجد!

حكاية الفتي الطموح بونابرت الذي ادعي النبوة ووقر النبي.. وهدم المساجد!

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 21ـ6 ـ 2011

لعبت بلاغة القادة والحكام دورا ما في ترسيخ دورهم السياسي، كما لعبت أدوارها مع الجميع، فحفظ العالم تعبير "مارادونا" الشهير، حين أحرز بيده هدفا، ثم قال معلقا (إنها يد الله) أو قول النحاس باشا مثلا عن المعاهدة (بيدي هذي وقعتها وبيدي هذا ألغيها) أو تعبيره الطريف الشهير "نحن مبسوطون من هذه الوزارة" كما حكي لنا المؤرخ صلاح عيسي في "رفعت العلم يا عبد الحكم".. أيضا كان نابليون بونابرت له بلاغته التي عاش "يأكل منها " ويفعل عكسها تماما ،ولذا فإنه صرخ حين سمع بوجود أسطول إنجليزي في الإسكندرية قائلا (أيها الحظ.. أتتخلي عني؟ أمهلني خمسة أيام فقط". وقد فعلها الحظ معه). وقد عرض الشاعر المترجم عاطف عبد المجيد برشاقة كتاب " علماء بونابرت في مصر "لروبير سوليه، بالعدد574 حيث قدم الكاتب صورة "مجاملة " لشخصية بونابرت، وبالتالي لدور الحملة ذاتها وتأثيرها، وهو ما يصادم الشعور المصري الذي ثار علي نابليون ومن خلفه حتي الرحيل . في مسألة النوايا والبطون كما يروي الضابط الفرنسي جوزيف ماري مواريه في كتابه "مذكرات ضابط في الحملة الفرنسية " والذي ترجمته كاميليا صبحي أن نابليون وجه رسالة محبة ملتهبة إلي مصروشعبها «إنما جئت لأرد لكم حقوقكم، وأعاقب مغتصبيكم وإني أوقر الله ورسوله والقرآن أكثر من المماليك» ولكن هذا الحنان لا يلبث أن يتبخر وهو يقرر في نفس الخطاب «جميع القري التي ترفع السلاح في وجه جيوشنا سيكون مصيرها الحرق». ويصور "سوليه" سعادة أهل مصر جميعا من التجار والخدم والعمال بالضيف الفرنسي الكريم، وبالزبون الفرنسي الذي يمتلك القدرة الشرائية، لكنه يجد نفسه أمام ثورات لا يمكن تحليلها وفقا لهذا المنطق، فجعل الثورة بسبب «سلسلة من الإجراءات التي لا يستوعبونها» . إن النظر للوجود الفرنسي في الشرق، لا يكتمل إلا بشمولية الرؤية للعالم في هذا التوقيت، وهو ما يرصده "هنري لويس " في كتابه " بونابرت والإسلام" ت: بشير السباعي حيث يذكر " أن فرنسا كانت الشريك الأكبر للإمبراطورية العثمانية، من خلال الشبكة التجارية الرائعة في ثغور شرق المتوسط، ويعمل كادر مكون من قناصلة ومترجمين عليمين باللغات الشرقية «مستشرقون» علي مساعدة التجار الفرنسيين، ويطلع الملكية بشكل دقيق علي شتي المجريات المهمة في هذه المنطقة " صـ14 .. إن العقل - كما يتصوره الأوروبيون نشأ في مصر، وانتقل إلي اليونان، ومنها عبر علي العرب، ثم استقر في أوروبا، ولذا فقد كان لابد من ارتقاء أصحاب العقول، وبتعبير مخيف وشهير "سيسل رودس" وزير المستعمرات البريطانية، أن (ليكما ننقذ أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية مهلكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي علي أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم. فالإمبراطورية، هي مسألة بطون. فإذا كنتم لا تريدون الحروب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا استعماريين". إسلام بلا ختان لا يمكن إغفال مسألة الرغبة الاستعمارية من الحملة الفرنسية، مثلما لا يمكن إغفال القيمة العلمية لها، لكن قيمة أخري تبدو جلية، إنه التلاعب الحقير بوتر شديد الأهمية لدي المصريين، وتر الدين، رغم أن الجيش الفرنسي كما يقول " دينون " في كتابه "رحلة إلي مصر السفلي ومصر العليا " يقول إن الجيش الفرنسي جيش مرتزقة، لا يهمه إلا السلب والنهب، فهل هذا هو الجيش الذي جاء يعلم الشعب المصري ؟ إن "موراي" الضابط الفرنسي الذي سبقت الإشارة لمذكراته يقول إنهم تركوا الاسكندرية حطاما، ويشير هنري لويس أن كليبر أشار لجنوده يحذرهم، لأنهم كانوا يتبولون ويتبرزون بجوار المساجد والمقابر". لقد جاء نابليون متصورا بأن خداع الشعب سهل يسير، ووصل به الحال أن ادعي النبوة - كما يقول الجبرتي ذاته - حين قال نابليون في بيانه إلي سكان القاهرة في 21 ديسمبر 1798م " إن العاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله وإرادته، وأن من يشك في ذلك فهو أعمي البصيرة، واعلموا أيضا أمتكم أن الله قد قدّر أن أجيء من المغرب إلي أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها، وأَعْلِموا أمتكم أن القرآن العظيم صرّح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل". نفاق سياسي بلا شك كما قال ستندال، وخداع للمصريين كما وصفه الجنرال "ديبوي "، لقد شهدنا بعد ثورات المصريين (تخرب جامع الرويعي، وجعله الفرنسيون خمارة، وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح، وجعلوا جامع أزبك سوقا " الجبرتي ج2 صـ167 . ولذا يرصد الجبرتي أنه بعد حرب الفرنسيس بولاق بدأت تظهر الفواحش ومنها تبرج النساء، وخروج غالبيتهن عن الحشمة " وسعي كثيرات للزواج بالفرنسيين بعد أن يظهر حالة العقد للإسلام أن يظهر إسلامه كحالة مينو الذي أسلم بلاختان وينطق الشهادتين، لأنه ليس له عقيدة يخشي فسادها". لا يمكن إنكار الحملة وآثارها، مثلما لا يمكن صد رياح التغيير الهائلة التي اقتلعت ثوابت المجتمع، وجعلت مرجعيته تتبدل، وما يرصده البعض وقت الحملة الفرنسية بجعلها نعمة من السماء نزلت لتزيل غشاوة اجتهد المماليك قرونا في حبك أطرافها علي عيون شعب مصر، وقد سجل الضابط الفرنسي " موريه " في " مذكراته يصف - مثلا - نساء الإسكندرية قائلا " وترتدي المرأة رداء طويلا أزرق لا يغطي إلا مساحات قليلة من جسدها، وهو يكشف صدرها تماما، فيجعله معرضا لنظرات الجميع " ثم يقول الضابط الفرنسي " والمرأة تسير حافية مثل الرجل، وفي كل القري تسير الفتيات من سن الثانية عشرة إلي الرابعة عشرة عرايا، فقد بلغ الفقر بهن مذهبه حتي صرن علي هذا القدر من الفحش الذي يصدم عاداتنا وتقاليدنا" . ويبدو أن الضابط قد حاول رد الصفعة الأخلاقية التي ألقاها المصريون علي وجوههم، إنما في كل الأحوال هناك بوادر وعي زرعت في التربة المصرية، ورعوها هم حتي نمت وازدهرت، مما جعل الدكتور لويس عوض يعتبر حركة تحرير المرأة أو ما يسميه " ثورة الحريم " نتاجا لصدامهم بالمرأة الفرنسية التي صاحبت الحملة الفرنسية . ويروي " كلوت بك " في كتاب له بعنوان "لمحة عامة إلي مصر " ج1صـ652 كما ينقل عنه لويس عوض موقفا لطيفا دالا، وهو أنه حين تزوج مينو بامرأة مصرية من رشيد، كان يعاملها باللطف الفرنسي المعروف، فيقبل يدها، ويجلسها قبله علي الكرسي لتناول الطعام، وهكذا، فلما كانت في الحمامات العامة روت لصويحباتها هذه الأمور، فحررن عرضا قدمنه إلي السلطان الكبير بونابرته ليحمل أزواجهن علي معاملتهن بمثل ما يعامل مينو زوجته الرشيدية". ولذا سنجد الجبرتي يورد بيانا من علماء الأزهر صدر في أكتوبر 1798 بتحريض من نابليون، وجاء فيه " نصيحة من كل علماء الإسلام بمصر المحروسة، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ إلي الله تعالي من الساعين في الأرض بالفساد، نعرف أهل المحروسة أن طرف الجعيدية وأشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا أصحابا وأحبابا بالسوية " والحق أن الحملة الفرنسية لم تكن مطلقا مجرد هجوم عسكري عابر، لكنها كانت أيضا صدمة أفاقت المجتمع وأعطته القدرة علي التمييز، لقد جعلت الحملة الفرنسية اللقاء بين نصفي المجتمع المصري (الرجال والنساء) يصبح مباشرا، بعدما كان المجتمع أعرج الجسد، من خلال امرأة بلا دور، لكنها لم تكف المجتمع شرها، فاقتنصت أتفه الأدوار، ومع الحملة بدأت المرأة في الظهور الإنساني، بعدما كانت مكتفية بالوجود الأنثوي في بعض الأسواق والحمامات ودور المتعة، لم ولن يكون نابليون كنزا، لكنه ثعلب استعماري كاذب، كان يعد كثيرا ولم يفِ مطلقا، كان ضيق الصدر بالديمقراطية، طاف بمصر، وفر إلي فرنسا، ومنذ مضي - كما كان المتنبي، نام ملء جفونه عن شواردها، وها هم الخلق مازالوا يختصمون حوله .

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

هل ساهم " الإنترنت " في السرقة أم كشفها ؟!

هل ساهم " الإنترنت " في السرقة أم كشفها ؟!

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة :19 ـ 4 ـ 2011

يشفق المرء أحيانا علي لص الإنترنت، وسط مليارات تروح وتجيء، يضيع وقته وجهده في نقل موضوع له صاحب إلي موقعه، أو مدونته أو صفحته بأي موقع اجتماعي، ثم يصبح بعدها لصا يتساوي في اللقب مع السارقين المحترمين الذين ترفع لهم القبعات، وتفتح لهم السجون فيما بعد .. ولكن - بعيدا عن المزاح - نحن أمام ظاهرة، ساهم الإنترنت في زيادتها بشكل طاغ، كما ساهم في فضحها بشكل أكثر طغيانا، وساهم في ترويج الفضح ذاته بشكل كبير، لكننا سنتجاوز عن السرقات أو النقل بدون ذكر الكاتب الأصلي في المنتديات، فهي ظاهرة أخلاقية في المقام الأول، وليست قانونية، نظرا لأن الغالبية ممن يسجل بالمنتديات العامة يسجل بأسماء رمزية وليست حقيقية . لصوص الكلمة هذا الموقع العربي المتخصص في كشف السرقات الفكرية والكاريكاتيرية، وأحيانا ملصقات الأفلام، صاحب الموقع يطلق علي نفسه " بدر الكويت " ويشغل وقته بقراءة الكتب والمقالات، ثم البحث عن لصوص الكلمة، مؤكدا أنه يفعل ذلك ( أنه يسعي للكشف عمن تسول له نفسه سرقة جهد الآخرين، حين يبحث عن مقال منشور بموقع ليس مشهورا، ثم وضع الاسم عليه، بدم بارد، وبدون خجل ) وآخر ما وضعه الموقع لكاتب اسمه " جميل الزغبي " استولي علي مقال للكاتبة حياة الياقوت، ووضعه من صفحتها في موقع ناشري " إلي صفحته بموقع الرمثا نت علي الرابط http://alramtha.net/index.php/artical/4161.html ولكن للحق فقد غير الكاتب ثلاث كلمات : كلمة بوية بكلمة المسترجلة، وكلمتي حياة الياقوت بكلمتي جميل الزغبي زنجة زنجة هكذا فعل صاحب إحدي المدونات فقد نشر صاحبها بها رابطا بعنوان "دراسات ومقالات " نشر به عددا هائلا متنوعا من الدراسات، وربما كانت المصادفة وحدها القادرة علي كشف الأمر، فقد نشرت جريدة القاهرة مقالا بعنوان " زكريا الحجاوي .. رائد علم الحياة " ثم نشر المقال علي موقع الحوار المتمدن علي الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=101844 ومنشور في 6/7/2007م فإذا به ينقل لفظا لفظا، باستثناء اسم كاتبه فقط، ثم تتبعت المقالات الموجودة بالمدونة الرسمية لصاحبها، فإذا بها تخلو من عمل واحد من إبداع صاحب المدونة الفعلي، وهو بالمناسبة مسرحي وكاتب، وله أعمال منشورة بصحف، رغم أنها أيضا مسروقة، منها - علي سبيل المثال أنه نشر عرض كتاب في جريدة مسرحنا عن أشكال الفرجة الشعبية في العدد ( 180) علما بأن هذا الموضوع منشور في أكثر من منتدي وقد تبين أن كاتبته هي الأستاذة ولاء وحيد رئيس التحرير التنفيذي لموقع (سيتي نيوز ) كما يقول مشرف صفحة مصطبة الكتب بجريدة مسرحنا الشاعر محمود الحلواني، لقد نقل الكاتب صاحب المدونة مقالاته مقالا مقالا و"زنجة زنجة "، بدون اللجوء لأي حيلة يغطي بها ما فعل، علي سبيل المثال، يضع " الباحث " مقالا بديعا بعنوان " يتشه : التأويل الجمالي للوجود " يبدأ بقوله : إذا كانت فلسفة الفن تبدأ مع أفلاطون، فهي تبدأ علي النقيض من ذلك، بإدانة الفنون الجميلة والشعر. لكن من السذاجة اعتبار أفلاطون شخصا غير مثقف أو بليد الذهن. فهو قد تلقي، مثل الشبان النبلاء اليونانيين، تربية تمنح للشعر مكانة بارزة. ويذكر أستاذه سقراط نفسه الصداقة الموقرة التي يكنها للشاعر هوميروس1. ثم أليست المحاورات نفسها آثارا فنية؟ ورغم ذلك ينفي الشعراء ويرفض الخطب المكتوبة واللوحات الصماء. أما صاحب المقال، فهو الباحث : محمد حجاوي، وهو أستاذ بكلية الأداب بفاس المغربية، والمقال منشور في مواقع كثيرة منها http://matarmatar.net/vb/t21265/ والمقالات منقولة من جهود كتاب عديدين منهم - علي سبيل المثال - : الباحث سامي عبد الوهاب بطة،المؤلف الموسيقي سليم سحاب !، فاضل خليل، د. محمد عبد المنعم جامعة الاسكندرية من موقع الحوار المتمدن، الدكتور فتحي الصفطاوي أستاذ علوم الموسيقي بجامعة حلوان، د. محمد الملاح جامعة اليرموك، د. صالح المهدي تونس، حنا عبود، سوريا، عزيز جبر يوسف من العراق، د. عبد الإله الصائغ، عزت اندراوس، د. نبيل الأسود، شبكة النبأ المعلوماتية، أحمد صلاح خطاب طالب بأكاديمية الفنون،الموسيقار جميل بشير، د. محمد حسن الطيار .. إلخ . الحقوق الفكرية.. واقع أم ورق من الأمور التي أجلها العقل القانوني العربي الاهتمام بمسألة الحقوق الفكرية الرقمية، فالسرقة عبر الإنترنت لا ينظر لها بخوف، فهي مسألة لا تدخل في نطاق المعاملات المالية، وهي ليست ربحية، فمعظم الإنترنت العربي تطوعي، ولكن الجانب الأخلاقي هنا شديد الأهمية، ولذلك يخلص أحد الباحثين أن ( الواقع العملي يؤكد أن القوانين الوطنية ليس بمقدورها توفير الحماية الكافية للمصنفات التي تنشر في البيئة الرقمية, وكان لا بد من ابتكار وسائل تقنية لحماية المصنفات، بمعني توفير الحماية للمصنفات بمعرفة أصحاب الحقوق أنفسهم باستخدام وسائل تكنولوجية ( مثل التشفير )، ومن خلال هذه الوسائل يتمكن لأصحاب الحقوق السيطرة علي مصنفاتهم ومنع الاعتداء عليها، وبالتالي أصبح من الممكن استغلال هذه المصنفات عن طريق الترخيص للغير باستعمالها والحصول علي عائد مالي مقابل ذلك والهدف من استخدام هذه الوسائل التقنية ). علي الرغم من أن الدول الأوروبية منذ عام 2005م قد وضعت قوانينها الرادعة في هذا الشأن، حيث "ظهر مشروع القانون الفرنسي ديسمبر 2005، واهتم القانون بحماية حقوق المؤلف علي الإنترنت خاصة في ظل سهولة نشر المؤلفات -سواء كانت مؤلفات أدبية أو غنائية أو سينمائية- علي مواقع الإنترنت المختلفة، وإمكانية استغلالها بسهولة من قبل مستخدمي الإنترنت." الموسوعة المتينة في السرقة الأمينة .. هذه الخدمة التي تقدمها " القاهرة " للصوص الإنترنت، تعاطفا مع الغافلين، الذين يسرقون بدون وعي تام بأصول المهنة، فيجب - احتراما للتخصص - إرشاد السارقين لبعض التنبيهات التي تؤدي لأداء أفضل، أول هذه النصائح، لا تسرق وتنشر ورقيا، حتي لا تثبت التهمة عليك بالدليل، ثم لا تسرق من الإنترنت بشكل مباشر، ولكن احرص - أخي السارق - علي اختيار موضوع، ثم اجمع data حوله، واصنع موضوعا فخما ضخما من هذه المصادر، فإن كنت مشغولا، وسرقت مقالا واحدا، فغير العنوان - هذا أمر ضروري - ثم غير ترتيب الفقرات، والأهم تغيير المطلع الذي بدأ به صاحب الموضوع، وياحبذا لو أشرت في فقرة ما بقولك - مثلما أكد الباحث الأستاذ فلان الفلاني، هكذا أثبت سلامة نيتك، وصدق طويتك، وأن الله خلق من الشبه أربعين مقالا. في النهاية لا أظن أننا بحاجة علي عقاب أشد من الفضح، ولا أقصي من الكشف عن اللصوص، فالذي لا يخجل من سرقة جهد عقل، لا يخجل من سرقة جهد ومال وتاريخ الآخرين ... انتبهوا أيها اللصوص.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

محمد رجب البيومي.. جلال الرحيل

محمد رجب البيومي.. جلال الرحيل

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة :15ـ 2ـ 2011

السبت الموافق الخامس من فبراير2011م، رحل في هدوء العالم العربي الكبير دكتور محمد رجب البيومي وسط ضجيج الملايين الثائرة في التحرير وغيره، أغمض عينيه الكليلتين ، وخلد لراحة طويلة بعد ثمانية وثمانين عاما عاشها شيخنا مثالا نادرا للتدفق الإبداعي الهادئ الرقراق ، لكنه قدم نموذجا إنسانيا نبيلا للمثقف الملتزم بمعناه الأشمل، وقد كانت فترة رئاسته لتحرير مجلة الأزهر الشريف فترة عطاء وفير، حيث حدّث المجلة وجعلها أكثر تواصلا مع القراء ، بدون سلب طبيعتها المعتادة للقارئ ... أبو البنات علي غير عادة الفقهاء وأشباههم ، كان الراحل يكن للمرأة احتراما نادرا، ويجلها إجلالا يشيع في رؤيته وكتاباته ومواقفه ، كانت أمه واحدة من أحب وأهم الناس في حياته ، يقول عنها : "كانت أمي ـ رحمها الله ـ كاتبة قارئة، في زمان كانت فيه الريفيات القرويات بعيدات عن القراءة والكتابة، ولكنَّ والدها الشيخ العالم حبب لها ولأخواتها أن يقرأن ويكتبن ويحفظن القرآن، والقرآن يومئذٍ أساس السلوك الإنساني في الريف للرجل والمرأة معاً، وقد فتحتُ عيني صغيراً، لأري بعض السيدات يحضرن إلي منزل والدتي بعد الغروب، فتصلي معهن الصلاة، وينتظرن إلي العشاء فتأمهن صالحات قانتات، أما الوالد فبعد الغروب إلي ما بعد العشاء في المسجد القريب. وفي الخامسة من عمري كانت أمي توقظني عند الفجر لأذهب مع والدي إلي الصلاة في المسجد، ولم أكن وحدي، بل كان كثير من الأطفال يجيئون مع آبائهم مبتهجين، فيحدثون نوعاً من المشاركة الوجدانية، وقد التحقت بالمكتب الريفي في القرية، فكانت والدتي تحرص علي أن أعيد علي سمعها ما حفظت من سورة جزء عم، فإذا فرغت من سورة، أخذت تحفظني التي تليها، وهي تقول كي لا تتعب مع الفقيه، فيحبّك لأنك مجتهد، فلمَّا حفظت الكثير من القرآن كانت تحرص علي امتحاني، فتطلب مني أن أسمعها سورة كذا وكذا، وظلَّ هذا شأنها معي ومن جاء بعدي من الإخوة». كانت قرية "الكفر الجديد " التابعة لمركز المنزلة دقهلية مسرحا لهذه الأمومة الحانية المربية الخالصة ، حيث ولد محمد رجب البيومي - في أكتوبر عام 1923م ورغم قسوة هذه البيئة وفقرها ، فقد نشأ فتانا شفوقا حييا ، يقول عن نفسه " فأنا إنسان أشفق من قتل البرغوث، وسحق الصرصور، ويسوؤني أن أجد خادماً تتألم في منزلي" هذا الحدب والتعاطف علي المرأة نجده يتجلي مع شريكة حياته التي أنجبت له سبعا من البنات وولدا وحيدا هو الدكتور حسام طبيب الأطفال، وقد فقد د. رجب البيومي زوجه وهو بالرياض ، فحز في نفسه الفراق، ورثاها بديوان تام شهير في تاريخ الأدب العربي كله ، هو ديوان "حصاد الدموع " يقول في قصيدة من قصائد الديوان : أجل، هي كانت في البــلايا طبيبتي فيا لجراحٍ بعــــدها ليس تدمــــــل فكانت نعيـــــم الله يبهـــــج منزلي وها هو ذا عـن وجهـــــتي يتحوَّل هياماً به إذ صار منزل حســـــنها فما شاقني من بعدها اليوم منزلي إذا صاحت الأطفــال (ماما) فإنني بوازوجـــتا، ما بين نفســي أولول العميدة كانت الفترة التي عمل بها دكتور رجب البيومي في معهد المعلمين شديدة الثراء ، فقد التقي سيدة كانت تدير المعهد ، لكنها كانت نموذجا فذا للمرأة العاقلة المتزنة الواعية بلا شهادة دكتوراة أو غيره ، ويحكي هو عنها حين كان في فترة عمله بالاسكندرية - حيث التقي بزوجته - وكانت من طالبات التعليم - هناك كانت عميدة المعهد - معهد المعلمين - حيث كان يدرّس ، سيدة فاضلة ، وقفت كثيرا معه أعز المواقف ، يذكر أنه حين كانت فسحة الغذاء ، كان الزملاء يجهزون خطبا تمتدّ إلي الساعة ونصف الساعة، بإلقاء كلمات وطنية، فكان الزملاء يتحدثون في تكرار عن ثورة الجيش، ومحو الإقطاع وإلغاء الألقاب وحرب القناة، ورأيت أنَّ الطالبات ينسحبن ولا يسمعن، فإنَّ التكرار الصباحي والمسائي وفي الظهيرة قد أدخل السأم علي نفوسهن، فجعلت أحاضر في يومي الأسبوعي عن الشهيرات من نساء الإسلام، كعائشة وخديجة والخيزران وزبيدة والخنساء، فوجدتُ إقبالاً منقطع النظير، وكأنَّ أحد الزملاء غاظه هذا التوفيق، فكتب إلي المباحث خطاباً مجهول التوقيع يقول إنني معروف بميولي الخاصة للإخوان المسلمين؛ لذلك لم أتحدث عن أعمال الثورة المجيدة، وترك الخطاب أثره، فإذا بزائر رسمي يأتي إلي مكتب العميدة ليسألها عن ميولي الإخوانية، فتشجعتْ شجاعة باسلة، وقالت: لم أعرف عنه ولم أسمع عنه إلا كل ولاء وتقدير للثورة، ولو شممت منه ما يدلّ علي انحرافه لكنت أول مطالبة باستبعاده! قال الزائر: ولكنه لم يتحدَّث إلا عن النساء المسلمات مثل عائشة وخديجة، ولم يكن كبقية الزملاء، فابتسمتْ وقالت في وداعة: الطالبات شكون لي أنَّ الحديث متكرر يسمعنه في الإذاعة المدرسية والإذاعة العامة، ويقرأنه في الجرائد اليومية وهنَّ لا يستفدن منه، وأمام هذه الشكوي طلبت من الأستاذ أن يختار شخصيات نسائية من التاريخ لتجبر الطالبات علي الاستماع ولا يتهرَّبن! وقام بتوجيهي بالحديث عن هؤلاء فصادف حسن القبول، فإذا أردتم أن أمنعه فلكم ما تشاؤون! فقد تحدَّث بأمري وتوجيهي! قال الزائر: حديثك معقول. وهنا قالت: هل هناك صلة بين عائشة والخنساء، والإخوان المسلمين؟ إنني لا أجد صلة إطلاقاً! فخرج الزائر دون أن يستجوبني، وعلمت بما كان من وكيلة الدار، فهرعت إلي السيدة الفاضلة أشكرها! فقالت: لقد أطفأت النار يا رجب، وأعفيتك من المحاضرات نهائياً، حضر الطالبات أم لم يحضرن! تركة نادرة التأمل فيما تركه الراحل ، يدهش العقول ، لكثرته وتنوعه معا، حيث أصدر موسوعة ضخمة من خمسة مجلدات بعنوان" النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين" وله أيضا البيان القرآني، خطوات التفسير البياني ، البيان النبوي، أدب السيرة النبوية عند الرواد المعاصرين ، الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير، النقد الأدبي للشعر الجاهلي، أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد، دراسات أدبية، حديث القلم، قطرات المداد، " الأزهر بين السياسة وحرية الفكر، ومواقف خالدة لعلماء الإسلام وكلاهما عن دار الهلال، وآثاره الأدبية عديدة فقد أصدر دواوين عدة منها ( صدي الأيام) وديوان " حنين الليالي " وديوان " من نبع القرآن " . كما أصدر عددا من المسرحيات منها مسرحية (انتصار) مسرحية (فوق الأبوة) ومسرحية "ملك غسان " وكتاباته التاريخية المدققة أكثر من أن تحصي منها ... كما كتب كثيرا للأطفال ، وكتب عددا هائلا من كتب السير الذاتية للراحلين أمثال أحمد امين وفريد وجدي وحسين هيكل وغيرهم ، كان الراحل عميدا لكلية اللغة العربية التابعة لجامعة الأزهر، فرع المنصورة ، ورأس تحرير مجلة الأزهر، كما شارك في تحرير مجلة المنهل والرسالة والهلال وغيرها الكثير. مرحوم مبكرا في جريدة " عكاظ " كتب الدكتور عائض الردادي يوم 17 يوليو 2006م رثاء حارا للدكتور رجب البيومي، مثنيا علي إنتاجه وأخلاقه وأفكاره، منهيا مقاله بقوله : رحم الله البيومي فقد كان علماً سلك نفسه في سلسلة أعلام العرب بإنتاجه أدباً ونقداً وكتابة وتاريخاً ومنافحة ودرساً وأصالة رأيا ومنهجا في زمن الانكسار أمام هجمة الثقافة الوافدة. ويبدو أن ضعف الشيخوخة والتواري عن الظهور وطبيعة العصر قد جعلت خبر وفاته محتملا لدي الكاتب، ورغم أنه لم يتثبت إلا أنها شعلة وفاء طيبة لا يمكن رفضها، وقد كان من أواخر ما أملاه شيخنا الدكتور رجب البيومي، مقدمة كتبها لمجموعة مقالات محب الدين الخطيب، بدأها بقوله (أُملي هذه السطور وأنا أرزح تحت سطوة كبر السِّنّ وتقادم العمر، من عاش أخلقت الأيام جِدّته ... وخانه ثقتاه السمع والبصر..) ثم يصف الخطيب بقوله (ياللأسي أقول بكل مرارة وحسرة وألمْ إنَّ هذا الرجل العظيم من المبخوسين والمظلومين من جيله، فقلما يجد الباحث دراسات أو كتابات عن هذا العملاق وأثره في الدعوة الي الله وإلي عزّ ورقي الأمة الاسلامية وقد كان من أقطاب وأركان النهضة الإسلامية . فهل كان يرثي نفسه ؟ !!

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

قريبًا.. الإنترنت علي الحوائط والموبايل علي جلد يديك

قريبًا.. الإنترنت علي الحوائط والموبايل علي جلد يديك

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة :18 ـ 1 ـ 2011

بالتأكيد سمعت عن هذه التكنولوجيا ، لكنك - مثلي تماما - لن تصدق هذه الإمكانات المبهرة الخيالية الممكنة من خلالها، فمعني هذا الكلام أنك تستطيع أن تجمع في لحظة واحدة كل المعلومات الموجودة عن أي شخص تقابله علي شبكة الإنترنت ، كذلك تستطيع تحويل أي سطح عادي لشاشة كمبيوتر يستقبل الإنترنت بيسر وسهولة ، معني ذلك أننا - ببساطة - قد عدنا إلي عصر السحر والخرافة ، أو علي العكس تماما ، صرنا في عصر - بتعبير ابن خلدون واصفا العصر العباسي - عصر صار كل شيء فيه علما ... ما الحكاية يا صاحبي؟في إحدي جلسات مؤتمر أدباء مصر ، تحدث الشاعر يسري حسان محددا أخطر ما في هذا المؤتمر ، بأنه يفتقد الخيال ، وفي جلسة أخري تحدث الدكتور محمود الضبع عن التطور الهائل في العالم ، من خلال استخدام تكنولوجيا يطلقون عليها " تكنولوجيا الحاسة السادسة " وهي بالفعل انطلاقة خيال جامح لشاب لم يتعد الخامسة والثلاثين كثيرا ، ولم يكمل دراسته للدكتوراه بعد ، لكنه صاحب خيال، خيال قاهر باهر مخيف ، نحن - كعرب - سننتظر بكل تأكيد وثقة وصول الرجل لأقصي خيالاته ، ثم تحققها علي ارض الواقع ، لكي نتعرف عليها ربما عام 3000 للميلاد ، ونظل مشدوهين فاغري أفواهنا من الدهشة !!! ماذا يحدث هناك؟الفتي الهندي زومبيابارافان ميستري شاب هندي ، تدللـه الأسرة بـ "زومبيا " والده السيد كيرتي ميستري يعمل مهندسا أمه نيانا سيدة منزل تعتني بهم جدا له شقيقتان هما " سويتا وجيجنا، وهو عاطفي جدا ويحب أسرته تماما تخرج في جامعة بومباي بالهند في فنون الإعلام، هو من مدينة صغيرة اسمها بالامبور شمال ولاية جوجارات بالهند انتقل للولايات المتحدة وعمل باحثا في شركة مايكروسوفت يعمل حاليا علي إتمام الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يقول عن نفسه في موقعه الشخصي إن " التفكير هو أكثر شيء أحبه ولحسن الحظ عملي يتطلب أفكارا مبتكرة وخلاقة".بارافان ليس مجرد مبرمج ومصمم برامج ، لكنه فيلسوف أيضا ، يقول مثلا " أحب أن أكون أنا ، وأحب أن أفعل ما أحب " .. نعود للموضوع الأساسي ، في يوم ما نظر بارافان إلي الفأرة "الماوس " وبدأ يفككها ، رآها - كما يقول - تتكون من كرة في الداخل... وهنالك مدوران اثنان، يدلان الحاسوب علي اتجاه حركة الكرة... ... وبالتالي علي حركة الفأرة. لذلك، ركزت علي هذين المدورين، واحتجت للمزيد، فاستعرت فأرة أخري من صديقي... ...لم أردها له أبداً !! وبذلك أصبح لدي أربع مداور. ومن ثم، ما فعلته بهذه المداور هو التالي... ...أزلتها من كل فأرة... ثم وضعتها في صف واحد. يتكون كل مدور من نظام خيط وبكرة. ما أردت عمله هو جهاز وسيط لنقل الأيماء... هذا الجهاز يعمل كلاقط للحركة... بتكلفة دولارين فقط. وبذلك،أي حركة أقوم بها جسدياً، تُنسخ في العالم الرقمي، فقط من خلال استخدام هذا الجهاز، الذي صنعته خلال السنوات الماضية، في عام 2000.الفكرة التي يسعي لها بارافان هي دمج العالمين الرقمي والواقعي ، من خلال تكنولوجيا أطلق عليها تكنولوجيا الحاسة السادسة ، أو ما أطلق عليه هو " تكنولوجيا البروجكتور " سبب هذه التسمية أن ميستري افترض إمكانية وضع طاقية إلكترونية علي الرأس عبارة عن بروجكتور، فأخذ خوذة دراجته ، ووضع فتحة في أعلاها لكي يثبت عليها البروجكتور لكن لاحقاً، أدرك أنه يريد أن يتفاعل مع هذه البكسلز أيضا، فوضع كاميرا صغيرة في أعلي الخوذة أيضا، تعمل كعين رقمية. تمهيدا للانتقال إلي نسخة أكثر ملائمة للمستهلك، وهي قلادة عرفت بعد ذلك باسم " جهاز الحاسة السادسة، قبلها كانت أفكاره تدور- كما يقول في محاضرة مهمة له مبثوثة علي أحد مواقع التكنولوجيا الأمريكية (موقع تيد ) يقول " لأني كنت مهتما بدمج العالمين الرقمي و الحقيقي، فكرت في الصفحات اللاصقة. فكرت، لم لا نصل... ...واجهة عالم الصفحة اللاصقة الملموس بالعالم الرقمي؟ الرسالة المكتوبة لأمي علي الصفحة اللاصقة أي علي الورق... ... تتحول إلي رسالة علي الهاتف المحمول، أو ربما لقاء عمل تلقائي ينتقل إلي المفكرة الرقمية، وربما قائمة أعمال تلقائية تتوافق معك. و بإمكانك أيضاً البحث في العالم الرقمي، فتستطيع كتابة سؤال يقول: "ما عنوان الدكتور سميث؟" ثم يطبعها هذا النظام... أي يعمل كنظام إدخال و إخراج للمعلومات، لكن مصنوع من الورق.وفي محاولة أخري، فكرت في صنع قلم يرسم بالأبعاد الثلاثة. لذلك صممت هذا القلم الذي قد يساعد العديد من المعماريين و المصممين ليس فقط في التفكير في الأبعاد الثلاثة بل بالرسم أيضاً فيكون ذلك أقرب للواقع. بعد ذلك فكرت؛ "لم لا أضيف خارطة جوجل، ولكن في العالم الملموس؟" بدلاً من البحث عن شيء باستخدام كلمة، أضع هذا الشيء فوقها. فإذا وضعت بطاقة السفر،سوف أتمكن من رؤية البوابة. وإذا وضعت كوب القهوة،سوف أري المقاهي، أوأين بإمكاني رمي الكوب.العالم صار كمبيوتر كبيراثم بدأت فكرة الإيماء كوسيلة تكنولوجية جديدة ، كأساس للحاسة السادسة التي يمكن القول عنها أنها واجهة يمكن ارتداؤها إيمائية أن يضاعف العالم المادي من حولنا مع المعلومات الرقمية، ويتيح لنا استخدام الإيماءات جهة طبيعية للتفاعل مع تلك المعلومات. باستخدام كاميرا وجهاز عرض صغير محمل في الجهاز يمكن ارتداؤها مثل قلادة، 'الحاسة السادسة' تري ما تراه، ويضاعف بصريا أي الأسطح أو الأشياء نحن التفاعل مع مشروعات تكنولوجيا المعلومات علي السطوح والجدران والأشياء المادية من حولنا ويتيح لنا التفاعل مع المعلومات المتوقعة من خلال حركات اليد الطبيعية، وحركات الذراع، أو تفاعلنا مع الكائن نفسه. محاولات 'الحاسة السادسة في الحصول علي المعلومات مجانا من حدودها من خلال دمج بسلاسة مع الواقع، ومما يجعل العالم بأسره الكمبيوتر.ماذا ينتظرناهذا سؤال غربي بامتياز ، نحن كالعادة مشغولون بأشياء أكثر أهمية، يقول الفتي الهندي "بإمكانكم الرسم علي أي جدار بإمكانك الوقوف أمام الجدار والرسم عليه ليس فقط باستعمال إصبع واحد لدينا الحرية باستخدام كلتا اليدين، يمكننا استخدام اليدين لتكبير أوتصغير خريطة موجودة أمامك الآن. الكاميرا في الواقع... ...تلتقط الصور... ... وأيضاً تتعرف علي أبعاد الصورة و ألوانها وهناك أيضاً العديد من العمليات التي تدور في داخل الجهاز عملياً، الأمر معقد بعض الشيء، لكنه يأتي بنتائج سهلة الاستعمال مما أثار حماسي أكثر أنه يمكن اصطحاب الجهاز إلي الخارج بدلاً من إخراج الكاميرا من جيبك، بإمكانك تقليد حركة الكاميرا بيديك وهي تأخذ الصورة لك.الفتي الهندي العبقري لم ينس مطلقا أن يؤكد أن فكره نتاج تعليم في الهند لذا يقول: هناك طاقة كبيرة هنا. الكثير من العلم. كل هذا العمل الذي رأيتموه ناتج من تعليمي في الهند. والآن لو اتطلعتم علي اقتصادية تكلفة: هذا الجهاز فيكلف 300 دولار مقارنة مع 20000 دولار مع الطولة أوأشياء مماثلة. هل تعلمون حتي جهاز حركة الفأرة ذو تكلفة الدولارين في السابق كانت تكلفته 5000 دولار؟ في الواقع...عرضته في مؤتمر علي... ... الرئيس عبدول تكلم في ذلك الوقت و قال "حسنا يجب علينا استخدامه في مركز بهابها للأبحاث الذرية في بعض التطبيقات." أنا متحمس لكيفية توفير هذه التكنولوجيا للناس بدلا من حصرها في بيئة المختبر.بالمناسبة : لم يطلق الهنود علي "زومبيا " أو بارافان ميستري لقب " نجم الجيل " لأنه - بكل تأكيد ليس مهموما بلقب نجم الجيل ، هو مهموم أكثر بتغيير الدنيا . دنيا

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<


رسام فلسطيني يكتشف كتابا للأطفال يشوه صورة النبي بالرسوم

رسام فلسطيني يكتشف كتابا للأطفال يشوه صورة النبي بالرسوم

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة :23 ـ 11 ـ 2010

الملاحظة العجيبة للتأمل الطويل لمواقع الإنترنت العربية المهتمة بالكاريكاتير، أنها تترك المطالع لها حزينا متألما، بعدما كانت رسوم الكاريكاتير تبعث علي ترويح الروح، ليس لأن رسامينا قد ثقل دمهم، علي العكس، ولكن لأن الواقع نفسه لم يعد لديه أي دم ." نضال" علي الورقإنه الفنان الفلسطيني نضال هاشم، مؤسس موقع متميز هو "بيت الكارتون " الموقع كما يقول "نضال " صممه بنفسه ويديره بجهد شخصي .. ما يؤكد طابع الألم الذي تنفثه أحبار الرسامين ما يقوله الفنان عن بداياته (عندما كنت في السادسة من عمري منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي عائلتي من التواجد في فلسطين ومنذ ذلك التاريخ وأنا أقيم في توأم فلسطين ( الأردن).حصلت علي شهادة بكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة حلب في سوريا.أما الموقع ذاته، فيضم 48فنانا عربيا، يضع صاحب الموقع لهم سيرا ذاتية مختصرة، وفرصة للتواصل معهم، الجديد في موقعنا هذا هو عرض مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات القيمة حول فن الكاريكاتير، منها علي سبيل المثال دراسة لعلاء أبي ظهير حول صورة العراق في رسوم الكارتون الأمريكية، والكارتون هنا يعني " الكاريكاتير "، ومقال رائع لأحمد عبد النعيم حول اللباد ... رسام الغلابة، ومقال طريف لتامر يوسف بعنوان " التجربة الدانماركية " ، كما فجر صاحب الموقع عبر مقال له بعنوان قصة أطفال تشوه صورة الرسول - صلي الله عليه وسلم -، ذكر نضال أن تشويه صورة الإسلام و تصوير المسلمين كمجموعة من الرعاع و الهمجيين و الإرهابيين يتكرر بصورة شبه يومية في الصحف الأمريكية أو الأوروبية أو في الكتب و المنشورات الأخري ، مشكلة هذه المنشورات أو الكتب أنها تصدر عن جهات تحاول أن توحي أنها إسلامية ، كأن تسمي نفسها بأسماء إسلامية مثل موقع «islameyat.com».من أوقح هذه المنشورات، كتاب " محمد آمن به و إلا!! " (2) Mohammed's Believe It Or Else المنشور في موقع islamcomicbook.comوهو كتاب رسوم مصورة يتناول فيه مؤلفه آية كريمة أو حديثاً شريفاً في كل صفحة ، برسوم هزلية ساخرة ، يظهر فيها شخص علي أنه الرسول الكريم في أشكال معيبة ، مرفق بترجمة لنص الآية أو الحديث ، يستند في معظم الأحوال إلي حديث ضعيف .هذا الموقع يقدم نفسه أنه موقع إسلامي يصدر من مكة كما تشير بيانات التسجيل في موقع«alexa ».ثم يطرح الفنان وسيلة مقاومة، بالكاريكاتير، تتلخص فيما رآه الفنان محمود الهنداوي أن الرد الأبلغ يكون بالفن، حيث استضاف الموقع عددا من الرسوم التي تنتقد الدانمارك وسلوك فنانيها........( حاولت فتح رابط الكتاب، فلم يستجب، ويبدو أنه أزيل مع أن الغلاف ما زال موجودا كرابط بالصفحة الرئيسية للموقع المذكور )كما يظل أحمد رجب - رغم أنه ليس رساما بريشة، وإنما بقلم، يحتل موقعا مهماً من خلال المقالات التي ينقلها الموقع، حول خواطره بعنوان " الفهامة " يقول المقال (أما النموذج الذي عبر فيه أحمد رجب عن الفن فهو مطرب الأخبار، هل انطلاقاً من حلم طفولي قديم لرجب أن يصبح مطرباً كما ذكر في مقدمة كتابه مطرب الأخبار؟ومطرب الأخبار شخص رديء الصوت لكنه يصر علي الغناء في الحفلات والأفراح ولا ينجو دائماً من الضرب ومع هذا يصر علي الغناء حتي اعتاد الضرب، لدرجة أنه ذهب ذات مرة إلي فرح وغني فلم يضرب، فعاد مندهشاً مما حدث.. صوته سيئ للغاية حتي انه ذات مرة كح في شارع مظلم فضربه بالنار مطاردو الكلاب الضالة.)حقيقة يبذل محرر الموقع جهدا فوق طاقته، ليقدم موقعا يستحق أن يكون " أول بيت للفنانين العرب في فن الكاريكاتير .مواقع شخصيةيغلب عليها بالطبع استغلالها كمعرض للرسوم، وليس من أهدافها التثقيف الفني بطبيعة الحال، لكنها تحمل إمكانية نشر الرسوم التي تخنق الرقابة خروجها ونشرها ورقيا، سنجد مثلا علي موقع الفنان السعودي ماهر عاشور (44عاما ) ورابط موقعه/www.maherashour.com سنجد عرضا للصور التي لم يتح له نشرها، وهي في غالبيتها تدور حول مشكلات داخلية، كرسم يصور إصبعين ممتدين يرتديان الملابس المعروفة للصوص، وحجمهما كبير جدا، بينما شخص ضئيل الحجم يرمز للشرطة، ويمسك بالأساور الحديدية الرفيعة جدا، والمعني أن حجم الجريمة قد فاق القدرة الأمنية علي مواجهتها . لكنه الكاريكاتير القادر - بتعبير د . حمدان خضر السالم أن يقول كأنه مقال تحل الخطوط فيه محل الكلمات " .ناجي العلي .. الغائب الحاضر(ناجي العلي في الأغنية / هل عليه / زي الغزالة البرية / شايل رسمة .......... حتي يقول الأبنودي (عيب ناجي إنه عاش صادق / عاش للرسمة ) ذكريات طيبة تداعب خيال المرء وهو يتوقف مع جملة ترحيب باللغة الإنجليزية وأنت تدخل لموقع الفنان الراحل ناجي العلي، الموقع للأسف باللغة الإنجليزية في غالبيته، صممه فنان فلسطيني يعمل في مجال الحاسب الآلي في أوروبا، والموقع قريب من المواقع الغربية في اعتباره وسيلة ترويجية لمنتجات وكتب وغيرها، يقول صاحب هذا الموقع (، أنا فلسطيني من الذين يعيشون بالدولة الكندية في مونتريال.

تخرجت في جامعة كونكورديا مع درجة البكالوريوس في علوم الحاسب الآلي. أعمل الآن في مونتريال. أما بالنسبة للجزء لماذا : ناجي العلي هو واحد من الفنانين الأكثر إبداعا في أنحاء العالم العربي.

أنا جعلت هذا الموقع لأنني شعرت أنه كان أقل ما يمكن فعله لإظهار تقديري واحترامي لهذا الفنان المبدع ومبدع العمل الفني والذي يعيش معنا حتي يومنا هذا.تصميمه غير مريح للعين، ولا يليق بفنان بقيمة ناجي العلي، سنجد في الواجهة مقالا للفنان نور الشريف عن فيلمه "ناجي العلي " يقول في جزء منه: (وبالطبع كانت هناك أسباب أخري غير رغبتي الملحة في التجديد لخوض تجربة (ناجي العلي) اهمها ان صورة القضية الفلسطينية غير واضحة تماما لان اختلاف وسائل الاعلام شوه هذه الصورة، وحدث تصيد لاخطاء بعض الشخصيات الفلسطينية، لذا فإن حماسي انصب علي مواطن فلسطيني من داخل الارض المحتلة لم يتغير ورغم تنقله من قطر الي قطر الا ان فلسطين ظلت تسكن داخله... هذا المواطن البسيط عاش حياة صعبة رفض خلالها التضحية بفنه وقضيته.) نعود للموقع، لنجده يحتوي علي روابط لمقالات ثم كتب عن ناجي العلي، ثم معرض لصوره، ثم وثائق تتعلق به، كبرنامج شهير عرض بقناة الجزيرة، ومقال نور الشريف، ثم بعض الروابط الدعائية، الأهم أننا نلتقي مع رسوم ناجي، مقسمة بشكل ميسر، حيث تصبح اللغة هنا بلا ضرورة، من خلال أكثر من مائتي لوحة في ثلاثة ألبومات رائعة .

لا يمكن حصر الكاريكاتير العربي علي الإنترنت في هذه المواقع بالطبع، بل هي عصية علي الحصر، فهناك موقع بديع للفنانة الفلسطينية أمية حجا

http://www.omayya.com

/، لكنه وقف، واحتفظ بجزء فقط منه، علي رابط هو

http://www.bintjbeil.com/E/omayya_joha/index.ar.html

كذلك موقع سعد هويدي، ومواقع كثيرة، لكنها كما قلنا في بداية الموضوع، لا ترسم ابتسامة، بقدر ما تغرس خنجرا داميا في قلب مشاهده .. إنه النحيب الضاحك .. الكاريكاتير العربي.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

هل علي المبدعة أن تضع جسدها فيما تكتب؟

هل علي المبدعة أن تضع جسدها فيما تكتب؟

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة

هل علي المبدعة أن تضع جسدها فيما تكتب؟

"هذا وحده هو المفجر لمكنونات اللاشعور " هكذا تقول "هيلين سيكسوس تأكيدا لنصيحتها القائلة " إن علي المرأة أن تضع جسدها فيما تكتبه،وأن تحسن الاستماع إلي صوت هذا الجسد ".ومسألة الجسد هذه تتسع لأكثر من قضايا الجنس،فالجسد أعم من ضيق لحظة اشتهاء مهما كانت دواعي هذه اللحظة، ولذا نجد جسد المرأة في المجموعة مرة مشوهًا ومرة ميتًا ومرة غامضًا، من خلال عناوين الاثنتي عشرة قصة : وإذا الضوء انهمر، علي وتر مشدود،تمزق، عن الدبساء قالوا،صليل الأساور،ليس قبل اكتمال الحلم، عند حافة الدفء،من علمك الأسماء كلها،المفتاح، في منتصف النهار،من خرم إبرة ، الاحتشاد لحظة صدق.يقول عبد الحميد الكاتب (خير الكلام ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا ) لكن المرأة العربية - وهي حديثة عهد بالحرية - أيحق لها أن تكتب وتمارس اللغة واللفظ الفحل - كما يتساءل عبد الله الغذامي - وتظل مع هذا محتفظة بأنوثتها؟ ام يلزمها أن تسترجل لكي تكتب وتمارس لغة الرجل؟.ملامح أنوثة شديدة البهاء،في لغة شديدة الاقتصاد،السيطرة علي اللحظة القصصية يبلغ الذروة هنا،رصد خلجات النفس ودواخل البشر تؤديه الكاتبة بمعايشة لحظية دقيقة،نحن مع أنثي تكتب لتكمل بناءها بلمحات بهية ( حرصت علي شراء ملابس أنيقة،لونت شعري، ونثرت خصلات بلون مغاير،ارتديت عقد اللؤلؤ).محاولة من الساردة للزيف المبرر،للتغيير المخادع،تبديل لون الشعر،التزين باللؤلؤ المزيف،بهذا المستوي الرفيع تلتقط القاصة صورا أنثوية هامشية،لكنها لا تطرح - بشكل عام - صوت المرأة في المجتمع،هي توقف عربة إبداعها في محطات أنثوية خاصة وأحيانا مصنوعة .. وفي مقابل هذه المرأة الخاصة - الساردة - تطرح المرأة العامة - الغائبة - (قلن: هذه عادتها،تعامل الآخرين كما لو كانوا قد باتوا معها في الفراش،وأطلعوا علي أحلامها أيضا ) عبارة غارقة في ثرثرتها المتناسبة مع طبيعة المحكي عنه،لكنها في النهاية تجعل خلاص البطلة في " الجمع الكلي ".. (فهرعن لنجدتها) .المرأة محكي عنهاالسارد في قصة " تمزق" رجل يصور نتيجة شجاره مع زوجته، وكيف اصطدمت بالحائط، فماتت، وطوال القصة يعيش الراوي حالة "تمزق" بين حزنه علي زوجته، وندمه علي نتيجة شجاره معها،وبين خوفه علي ذاته، تداخل الواقع والمتخيل في القصة يتم بشكل صادم (وجدتهم يقتحمون البيت،يندفعون كالشلال من باب الشقة،ويهجمون علي) لا أعرف كيف عرف الجميع بموتها ) ثم انتقال للواقع مباشرة (تأكدت أن ما رأيته لم يكن سوي تصورات،لما سوف يحدث في الساعات التالية) جملة ثقيلة بلا ضرورة فنية،لتواصل القاريء مع النص والحدث، ثم تبدأ مرحلة التذكر،ثم ترتيب الأفكار لمواجهة الكارثة، وقراره بإلقائها- وهي ميتة - من الشرفة،ثم تنتهي القصة بـ (رجعت للشرفة ودمعي يتساقط غزيرا، ونهنهتي تعلو، وأنا أحاول أن أرفع جسدها بين يدي).وفي "عن الدبساء قالوا " تواصل القاصة الاقتراب من نساء الظل،النموذج النادر،لكنها ندرة ثرية كثيفة،قطعة من الشاعرية المدهشة،إمكانات التأويل بلا حدود،تبدأ القصة بجملة تبدو وكأنها تواصل كلاما كثيرا بقولها (هكذا عرفوا الخبر) ثم تندلع فكرة الغياب، وكيف سرقت منّا معاني الخير والبركة،وكيف سادت فينا معالم التخلي الهائل،ماتت المرأة التي خدمت الجميع وبموتها (الزير جف،يسقط ورق شجر الكافور العجوز) توحد الطبيعة مع المرأة يقابله جحود ممن خدمتهم،تتحول الدبساء إلي رمز قابل للتأويل بيسر،تراها وطنا حينا وأصالة احيانا،تري الرمز زمنا انتهك ( لم يلحظ أي من الرجال الثلاثة غيابها،ذلك الذي نهب الأرض في زمنها الأول ........ والذي كسر لها الجرة وهو يقبض علي طرف ثوبها محاولا احتجازها بين عشب صدره والجدار .... والأخير من قفز ليلا فوق سور بيتها ليتلصص علي انحناءة خصرها) .هكذا تتوقف مني الشيمي أمام المرأة كمفعول به، كأداة لا أكثر،وهي في رصدها تحاكم المجتمع بما حمله من ميراث ذكوري شديد القسوة،لكن ذلك لا يعني إنكارها للمرأة المقاومة الفاعلة ،حيث تلجأ للحظات المقاومة الصغري، خاصة مع التحام المقاومة ببعد إنساني شديد البهاء،حيث اختارت أطفالا في مدرسة للمكفوفين، وقد أصرت القاصة علي توصيل المعلومة والتأكيد عليها رغم وضوح السياق ( تركت خلفها يافطة مدرسة للمكفوفين معلقة ) مشرف الرحلة لم يقم بواجبه وينهي أوراق الرحلة،ورئيس مجلس الإدارة مسافر،والمطلوب أن تخرج المعلمة إلي الأطفال لتخبرهم بإلغاء الرحلة،لكنها وجدت نفسها تقول " لنبدأ رحلة الأحلام " قامت بخدعة صغيرة حيث دار السائق، وذهب لقطعة أرض واسعة،لكن صوت المشرف يطاردهم عبر المحمول يأمرها:ـ عودي بالأطفال قبل أن أبلغ الشرطة بما فعلت.ترد: ليس قبل أن أكمل الحلم .ثم تضع الكاتبة سبعة أسطر بعد أن انتهت - في تصوري - القصة.لم تسع الكاتبة لاستنزاف مشاعر القاريء عبر نماذجها،لكنها أقرت قدرة المرأة علي المقاومة،مهما كانت قوة استبداد الآخرين،ليتحول بها من مفعول به إلي فاعل قادر.رحلة البحث عن الدفءتمثل قصة "عند حافة الدفء" نموذجا للإبداع النسوي الرائق الراقي،الخالي من مشكلات العنوسة الخانقة الكاذبة، إنها رحلة امرأة تبحث عن نفسها،امرأة سرقت منها الحياة الحقيقية،حياة وزوج وبيت،لكنه كله بلا روح، بلا دفء، لم تقل القاصة شيئا،إنما باحت الراوية (الساردة ) بآلامها بوحا رهيفا،تقوم القصة علي عدة ثنائيات بنائية دقيقة : الزوجة الراوية،وجارتها،الزوج النائم والزوج الغائب،الشرعي المكروه والمحرم المشتهي،الغائبون عن الشقة والغائبون عن البوح.... زوجة تجد جارتها الجميلة المثيرة ( تمنطق بحزام يبرز نفور نهديها ونحافة خصرها) تعيش هانئة مع نباتاتها والشمس تزور شقتها،لكنها لا تزور شقة الساردة،تلعب الشمس هنا دورا بنائيا راقيا،فحينما تزورها الشمس/الدفء/ الحياة يمنعها الزوج الذي يضايقه ضوء الشمس،بينما تلمح رجلا يدخل بيت جارتها،فتنظر لزوجها فتجده (متحدا بالسرير كأنه جزء منه) هذا الفقد العاطفي العام عبرت عنه الكاتبة بالغضب عبر تكسير المرآة التي تكشف آلام هذه الروح الضائعة الوحيدة،زوجها بصوت الشخير موجود غائب، ذهبت تخيلاتها بعيدا مع زائر جارتها ( تري هل يعتصرها بقوة ؟ تتأوه له.... (تنفرط قبلته علي خدها قبلا صغيرة متلاحقة علي رقبتها ونهديها) تلتهب آلام الوحدة - وهي بجوار الزوج- تصل مداها معلنة عن غضبها من هذه التي عاشت ليلتها هانئة بحضن رجل،تخرج غضبها في صراخ شاك لزوجها (هذا يجب ألا يصمت عليه رجال البناية).نفس هذه الروح الهائمة الوحيدة الثائرة تتلبس بطلة " من علمك الأسماء كلها " قصة اختارت جوا غرائبيا خانقا مخيفا،صوت المرأة في هذه المجموعة لم يختف ابدا،مثلما لم تقع الكاتبة في فخ " المقالية " إنما قدمت قصصا قادرة علي حمل آلام المرأة برقة ورهافة وفي تصوري لو ألغت الاقتباسات التي تبدأ بها قصصها لكان هذا أفضل للقاريء وللكاتبة معا،حيث تغري بعض الجمل الكُتّاب للاقتباس، رغم قدرة العمل علي التأثير الكامل بدون مصادرة حق القاريء في تصور المفهوم الذي يخرج به.وتبقي اللغةإن كان أستاذنا الراحل دكتور طه وادي قد قال " إن الحديث عن اللغة هو حديث عن كل شيء في القصة القصيرة " فإن مجموعة " وإذا انهمر الضوء " تجسد هذه المقولة،حيث تخضع مني الشيمي لغتها لمصفاة نادرة الجمال والدقة،من خلال انبثاقات بلاغية خالصة من الحلية اللفظية والاصطناع والتكرار، كما خلت اللغة من الثرثرة،واقتنصت مفردة وصورة لها تفردها،ورغم بدء بعض القصص باقتباسات - جاءت - في تصوري - حملا علي النص،فقد تدفقت لغتها ببراعة أنست القاريء الاقتباس الذي من شأنه المصادرة علي المضمون العام للعمل،وأحيانا تسطيحه،فانظر مثلا: (قش أشيب كلل سقف هذا السطح ) لا تلتفت للتكرارالثنائي للحروف س ش ق فقط، إنما لبلاغتها،وانظر (هش الجميع عليها بمذبة التجاهل) (انثال صمغ صمتهم مطبقا) (تخضب قدميها بغبار الطريق) (الهواء الذي فر من الشمس ) (ألقيت بالحرج في الجوار كثوب مهمل).هذه الاقتباسات المتعددة من صفحات مختلفة جاءت دالة علي نص مميز لكاتبة مدهشة تعطي ذاتها كاملة لنَصها، وها هو يرد الجميل .

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

دراسة دكتوراه ترصد التأثيرات النفسية لدي أطفال الشوارع وتقترح سبل خفض أعدادهم

دراسة دكتوراه ترصد التأثيرات النفسية لدي أطفال الشوارع وتقترح سبل خفض أعدادهم

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 24 ـ 8 ـ 2010

حصلت الباحثة رضوي فرغلي علي درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولي عن دراستها "أنماط الإساءة لأطفال الشوارع وبعض مصاحباتها النفسية والاجتماعية" وذلك من قسم علم النفس في كلية الآداب، جامعة القاهرة. وإن كانت الدول العربية قد اختارت أول أكتوبر من كل عام للاحتفال بيوم الطفل ، فهل كان الطفل المشرد المقيم بالشارع في قائمة اهتماماتها ؟هدفت الدراسة الراهنة إلي رصد أنماط الإساءة التي يتعرض لها أطفال الشوارع وعلاقتها ببعض المتغيرات النفسية (العدوانية، والاكتئاب، والقلق، وتقدير الذات)، وبيان ما إذا كانت درجات أطفال الشوارع علي أنماط الإساءة والمتغيرات النفسية موضع الدراسة تختلف بطول مدة البقاء في الشارع.واشتملت مجموعة الدراسة علي (152) طفلاً من أطفال الشوارع الذكور الذين يقيمون إقامة دائمة ويعملون في الشارع، ممن تراوحت أعمارهم بين 9 و15 سنة. وشمل الإطار الجغرافي للدراسة، محافظات القاهرة والجيزة وحلوان والسادس من أكتوبر (القاهرة الكبري سابقًا). وقد تم الحصول علي الأطفال من الشوارع، والحدائق العامة، ومحطات القطارات ومترو الأنفاق، وبعض دور الرعاية النهارية.نتائج الدراسةتوصلت الباحثة إلي أن أطفال الشوارع يستشعرون الإساءة الانفعالية والبدنية بنفس القدر، بينما يعانون الإساءة الجنسية بدرجات أقل حدوثاً.وقد جاءت جميع معاملات الارتباط بين كل نمط من أنماط الإساءة والآخر موجبة ودالة وتتراوح بين المتوسطة والقوية، أي أن أطفال الشوارع لا يخبرون نمطًا واحدًا من الإساءة، إنما إذا تعرضوا لنمط منها تعرضوا لبقية الأنماط أيضًا.كما اتضح من خلال الدراسة ان أطفال الشوارع الحاصلين علي درجات مرتفعة في كل نمط من أنماط الإساءة أكثر عدوانية بكل صورها من الحاصلين علي درجات منخفضة فيها. ولم تسفر النتائج عن فروق دالة بين المرتفعين والمنخفضين في الإساءة البدنية والانفعالية في متغيرات الاكتئاب، والقلق، وتقدير الذات. أما بالنسبة للإساءة الجنسية، فكان الحاصلون علي درجات مرتفعة فيها أكثر تقديرا لذواتهم، وأقل اكتئابا (دلالة ضعيفة)، في حين لم تظهر فروق دالة إحصائياً في حالة القلق. كذلك فالأطفال الذين قضوا مدة أطول في الشارع كانوا أكثر تعرضاً للإساءة بكل أنماطها مقارنة بمن قضوا مدة أقصر.أما الأطفال الذين قضوا مدة أطول في الشارع كانوا أكثر عدوانًا، وتقديرًا لذواتهم، وأقل اكتئابًا، ولم تظهر فروق دالة إحصائياً بينهما في متغير القلق. وانتهت الدراسة بطرح مجموعة من التوصيات لخفض معدلات ظاهرة أطفال الشوارع، وتلافي آثارها السلبية، ثم اقترحت مجموعة من المشروعات البحثية والبرامج الإرشادية لإثراء المجال علي المستويين النظري والتطبيقي.مشاهد من المناقشةحضر عدد كبير جدا من المبدعين والإعلاميين للمناقشة منهم د.عصام عزام، المحلل النفسي د.حسين عبد القادر، الناقد د.أسامة أبو طالب وكيل وزارة الثقافة السابق، الروائيان إبراهيم عبد المجيد ووحيد الطويلة، الشعراء عبد المنعم رمضان وأحمد بخيت واحمد البنداري ومحمد عبد المعطي، الفنان التشكيلي سيد هويدي، الإعلامية العراقية رؤي البازركان والكاتب العراقي حسن العجمي والإعلامية مني سالمان وحشد من أساتذة علم النفس علي رأسهم د.صفوت فرج ورئيس قسم علم النفس د.معتز عبد الله.المناقشة استغرقت أكثر من ثلاث ساعات أعلن رئيس اللجنة د.الحسين عبد المنعم منح الباحثة رضوي فرغلي درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف ، وقد تكونت لجنة المناقشة من: د.الحسين عبد المنعم رئيساً، د.عبد المنعم شحاتة عضوا، ود.أسامة أبو سريع عضواً ومشرفا علي الرسالة التي شاركت في الإشراف عليها أيضا د.ميرفت شوقي. وقد أشادت اللجنة بجدية وجدة الدراسة ، و أثني أعضاء اللجنة علي جهود الباحثة وتحملها لأخطار التعامل مع عينة البحث المكونة من 152 طفلا كانت تذهب إليهم في أماكن تجمعهم بنفسها. الجدير بالذكر أن رسالة الماجستير الخاصة بالباحثة رضوي فرغلي كانت حول "صورة الجسم والموقف الأوديبي لدي البغايا القاصرات، عام 2005، جامعة الزقازيق.وللباحثة عدة كتب أهمها : كتاب البغايا القاصرات، دار المحروسة، 2007 وتعمل معالجة نفسية وكاتبة بجريدة القبس الكويتية ، وهي زوجة للأديب شريف صالح الصحفي بجريدة النهار الكويتية ، ولديهما ابنان: حنين وحسين

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

الكتاب خير جليس في زمن الحاسوب

الكتاب خير جليس في زمن الحاسوب

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة :30 ـ 3 ـ 2010

انفضت كل حجج عديمي القراءة، وما زالوا علي عناقهم اللانهائي للخصام مع الكتاب، صارت الكتب متوفرة عبر هيئة قصور الثقافة بسلاسلها المتعددة، بأسعارها المشجعة، وكذلك مكتبة الأسرة التي بلغت سن الرشد، ومنحتنا مكتبات متنوعة، إضافة لرافد مذهل هو الإنترنت بمكتباته التي لا تبقي ولا تذر شيئا من الكتب إلا ونسخت ووضعت علي المواقع المتخصصة..

فهل تغيرت العادات القرائية لدي الناس؟ وهل الكتاب يختلفون عن غيرهم في هذا الأمر، في هذا التحقيق ننصت لتجارب وآراء مجموعة كتاب عرب، لكل تجربته وأفكاره..

الشاي البارد

إن كان الأديب الكبير"خيري شلبي" يلجأ للمقابر ليقرأ فيها ويكتب، فأديبنا القاص والشاعر سمير الفيل له عاداته أيضا، يقول لـ «القاهرة» (للقراءة معي تاريخ طويل فقد خرجت للعمل المهني مبكرا في ورش الأثاث ثم في محلات الأحذية، وهذا دفعني لاقتناص أي فرصة للقراءة وسط الناس خاصة مع البدايات الأولي حيث الروايات العالمية، وأرسين لوبين وشارلوك هولمز. بعد التبحر في دنيا الأدب صارت القراءة لها طقوس خاصة كأن اقرأ في جو هاديء بعيدا عن الضوضاء لكن لا مانع من الإطلالة من الشرفة بين حين وآخر وفي يدي كوب شاي صغيرمن وقت لآخر، أتركه ليبرد وغالبا لا أشربه. هناك ورقة خالية أدون فيها ملاحظاتي وهواجسي مع كل كتاب أتناوله، ولا أكتب هوامش في الكتاب نفسه إلا في حالة إعداد بحث أو دراسة نقدية. جربت القراءة المختلسة في المواقع الميدانية خلال فترة الجيش، قرأت لأرنست هيمنجواي والبير كامي وسارتر وميشيل فوكو. ولما كانت الأوراق شحيحة وجدتني اتخذ ورقة الكافور كعلامة بين الصفحات دلالة علي التوقف كي تكون العودة سهلة وحتي أندمج مرة ثانية مع النص أعود لقراءة آخر صفحة من جديد.

جربت القراءة في القطارات والميكروباصات وسيارات الأجرة، فأصبحت "طلخا" لصيقة بقصائد "لوركا" و"كفر شكر" متسقة مع " ليس علي رصيف الأزهار من يجيب "لمالك حداد" ومدخل "شبرا" الذي يكتظ بالباعة مقترن برواية عبدالحكيم قاسم "أيام الإنسان السبعة ".

"شوهالحكي"

وتقول الأديبة اللبنانية رولي بتكجي تؤكد للقاهرة"، لا أدري متي بدأ ولعي بالمطالعة، كل ما أذكره أن أمّي كانت تضيق ذرعاً بي وأنا أعينها في توضيب الحقائب المرفوعة فوق الخزائن، وكنت أستغرق وقتاً يفوق اللازم في تلك المهمة وهي "منقوعة" عند أسفل السلم الخشبي، بانتظار نزولي المظفّر. ولأن والدتي قد فطنت إلي سبب تلكؤي في إنجاز مهمّتي_ أو ربّما لأسباب أخري_ فقد باتت تستبدل الجرائد التي تفرشها علي الحقائب بأغطية قديمة.

إبان حديثي عن المطالعة وشغفي بها بادرتني زميلة والغثيان يكتنف سحنتها بقولها: "شو هالحكي عن جدّ بتحبي تطالعي ؟ ياه!!" وزفرت وهي تحدّق بي بذهول وكأني كائن خرافي نزل لتوّه من المرّيخ. المطالعة كانت وستبقي تسريتي وتعزيتي وعالمي الذي أجد فيه ملاذي!

عادات تتغير

بكل تأكيد تتبدل العادات لدي الناس، ومنهم الأدباء وعلاقتهم بالقراءة، وربما كانت فترة الصبا تشكل أساسا ضخما للقاعدة الثقافية لدي القارئ / الكاتب، قبل الانشغالات والمجاملات ومئات الكتب المهداة التي لا فكاك من قراءتها، الأديب شريف صالح يقول (ففي فترة الصبا كان المرء يخرج إلي الحقول بصحبة يوسف إدريس وتوفيق الحكيم ومصطفي محمود وأصلان وعبد الحكيم قاسم.

أما الآن، فما عاد هناك صبا ولا حقول ولا وقت فراغ، فاختزلت عادة القراءة نفسها، في ثلاثة أنواع: وقت احتمالي قبيل النوم من ربع ساعة إلي ساعتين، مع إضاءة خافتة بجوار الفراش، لأقرأ نصوص الأصدقاء وغير الأصدقاء، أو مطالعة سريعة علي شاشة الكمبيوتر لأي كتاب إرواء للفضول، في أي وقت يتاح.. أما النوع الثالث فهو يرتبط بالدراسة الأكاديمية والتي تتطلب يقظة ووضع مجموعة كبيرة من الكتب فوق بعضها واختيار الفقرات المهمة وتصنيفها والتفاعل مع شاشة الكمبيوتر والعودة إليها مرات كثيرة.

الأديبة الفلسطينية عايدة النوباتي تخص "القاهرة" بأسرارها قائلة:

القراءة تقلصت كثيرا عندي... عندما اكتشفت متعة القراءة لم أصدق نفسي... ومازلت أشعر بأن الكتاب (صندوق الدنيا) الذي نفتحه لنبعث منه شخصياته أو نبعث نحن منه بأرواح جديدة...

كنت اقرأ بشكل عشوائي كل ما يقع تحت يدي... خصوصا كتب علم النفس والمسرح والروايات العالمية.... كتب لم أكن أفهم منها شيئا عن (الأنا والأنا الاعلي...) ومصطلحات كنت اخترع لها تعريفات حسب العمر والقدرة علي الاستيعاب... لم اترك كتابا في مكتبة المدرسة إلا وقرأته وبدأت أشتري الكتب وكل كتاب كنت احتفي به بطريقة خاصة ... احتضنه عدة دقائق قبل البدء بقراءته...اقرأ كل الوقت في باص المدرسة بالذهاب والاياب في فترة الاستراحة... في البيت بعد المدرسة أما يوم الخميس فله طقوسه الخاصة... اتذكر انني كنت امسك الكتاب في المساء ولا اتركه حتي صباح اليوم التالي.... انتهي منه واضعه تحت وسادتي وأنام جزءا من اليوم...

اقرأ وانا أمشي وأنا اجلس مع الناس أو وحدي لا يهم....انشغل عن الطعام بالقراءة وعن الشراب بالقراءة.... تلك أيام من الروعة بحيث أذكرها بحنان كبير..

القراءة بالملابس الرسمية

يروي الفنان محمود حميدة أنه كان يقرأ إحدي روايات تشيكوف، ولم يجد فيها شيئا خارقا يقابل الضجة الكبري حول قيمة تشيكوف، وشكا ذلك للمخرج الراحل "رضوان الكاشف " فقال له من يقرأ بهذه الطريقة حمار، ولما استفسره عن مقصده، أخبره الكاشف بضرورة التهيؤ لقراءة تشيكوف وأمثاله، لابد أن تستحم وترتدي ملابس الخروج، وتكون في قمة اليقظة ,, وهو ما فعله محمود حميدة بالفعل..

الأديب محمود الديداموني يقول إنه يتهيأ لكاتب ما (إن كانت لدي أفكار مسبقة عن كتاباته (تاريخ اجتماعي) ولكن القراءة لديه ترتبط - كما يقول - بحالة الوعي لديه، فالقراءة تزيد يقظته وليس العكس. أما أديبنا سمير الفيل فيقول (لا يوجد استعداد لكاتب معين باستحداث طقوس خاصة لكن لي تجربة مع محمود درويش هي أن هذا الشاعر الفريد يحتاج إلي فترات من السكون لكي تقتحم تلك الغابات المتشابكة من الصور والأخيلة وجماليات النص، وهو ما تحتاجه تجارب شبيهة كنصوص بورخيس.

في رواية "فساد الأمكنة" لصبري موسي كنت أستحضر الأطلس وأمرر يدي علي مناطق بعينها لأتمكن من الإحساس بالشخصيات تتحرك في محيطها الحيوي. هناك لقطة لا أنساها لطفل كان يقرأ كتابا من بعيد، ويحرك أصابعه وهو يجري بفرح. اقتربت منه وتأملت الصفحة. كان بالكتاب فراشات ملونة والطفل يشخصها ويكاد لخفة جسده يطير. ليتنا نتعلم هذا النوع من القراءة!

وتسر لنا رولي بتكجي - القاصة اللبنانية - بـأنه "ما أعوّل عليه من قراءات يكون في شبه عزلة، ولا جدوي ترتجي لي من قراءة ما قبل النوم، وقد تبرّعت مرّة لمرافقة سيدة تنوي استئجار مسكن تعود ملكيته لوالدتي، ولدي مغادرة المستأجرة العتيدة عكفت علي إتمام مطالعة الكتاب الذي كنت قد دسسته في حقيبتي أظنّه "يساري أنت أم يميني" لعزيز نيسين ولم أرجع إلا بعد فراغي منه طبعاً نلت توبيخاً" من كعب الدست " من الوالدة لأنها قلقت، ناهيك عن تورّم قدمي فقد قضيت وقتاً لا بأس به واقفة قبل أن يتفتّق ذهني عن فكرة ارتقاء السطوح واقتعاد بعض الحجارة.

أما عذاب شريف صالح - وهو يدرس الدكتوراة في المسرح الآن - بكلماته (لعل ما يزعجني في هذا الصخب القرائي أنني أخفقت خلال عشرين عاماً في "منهجة" عادة القراءة، بنفس القدر في "منهجة" عادة الكتابة. وبالتالي مازلت أحلم بقراءة روحية عميقة ومنتظمة لأسماء مثل تشيكوف، ديستوفسكي، كافاكا، نجيب محفوظ، كازنتزاكيس وغيرهم. وهو حلم لن يتحقق إلا إذا تخلص المرء من وطأة الضرورة و وهب حياته لمتعة المعرفة المزدوجة) الأديبة الفلسطينية عايدة النوباتي تقول (استعد احيانا لكتاب مهم بفنجان قهوة اضعه جانبا وانشغل بالقراءة فأنساه تماما حتي يبرد و لا اشربه ابدا في هذه الحالة.. بعض النصوص تجعلني اقرأ بطريقة عكسية اي من الفقرة الأخيرة ثم اصعد فقرة فقرة حتي أصل للبداية.... بعض الكتب لا تفارقني اقرأ قبل النوم واتركها تحت الوسادة لاقرأها حين استيقظ، هناك اوقات يأخذنا العمل من انفسنا ومن القراءة لكني حين ابحث بامعان لا اجد أوقاتاً كثيرة لم اقرأ بها حتي لو كانت قراءة لمدد قصيرة..).

ربما ينتهي الكلام بشهادة الشاعر السوري الكبير شاهر خضرة لـ "القاهرة".

بالأمس حملت كتابي بطلب من مدير أمسية لأوزعه علي الموجودين حملت شنطة وذهبت، هناك وجدت تصغيرا لنفسي أن أوزع كتابي مجانا هكذا علي الرغم من أنني دائما أوزع كتبي مجانا ولكن في هذا الجمع خجلت من نفسي أن أدور كمن يوزع شايا في عرس فعدت بالكتب إلي البيت ولم أخبر أحدا أنني كنت أحمل كتابي علم المعني.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<

مبدعون يتخلصون من إبداعهم

مبدعون يتخلصون من إبداعهم

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 22ـ 6 ـ 2010

"الكاتب الصحيح هو الذي يمزق أكبر عدد من الورق، ويلغي سطوراً بأكملها ليكتب كلمة واحدة" نصيحة وجهها الناقد الكبير محمد محمود عبد الرازق للكاتب محمد عبده العباسي، راسما له حدود الفن الصادق، الإخلاص الحقيقي للإبداع، السهر لأجل كلمة، يحيي حقي يقول إنه سهر أياما طويلة ليجد لفظا واحدا يقوله "إسماعيل" بطل قنديل أم هاشم" حين هجم علي القنديل في المسجد.. لدينا الآن مبدعون كثيرون، وإبداع قليل قليل، لدينا سيل من الكتب تتدفق، مثل " السلام عليكم " بتعبير العم صلاح عيسي، هل مطلوب من الكتاب غلق حنفية الإبداع ولو قليلا؟ هل الأفضل عدم نشر كل ما يكتبه المبدع؟ هل يعيب الكاتب أن يتخلص من بعض ما كتبه؟ هل هناك راصد قادر علي تناول تجارب جميع المبدعين نقديا، لينظر للأعمال في سياقها العام، مهما كان ضعفها؟ " القاهرة " طرحت أسئلتها علي مبدعينا، فماذا قالوا:الناقد والمبدع دكتور جمال نجيب التلاوي يقول: أتصور أنه ليس كل ما يكتبه المبدع ينشره. عليه أن يكتب طول الوقت و عليه ايضا أن يفكر كثيرا قبل النشر فليست القضية بكثرة الأعمال المنشورة و لنتأمل إبداعات بهاء طاهر وابراهيم اصلان قليلة في العدد كبيرة في القيمة الفنية.انا شخصيا أفكر كثيرا قبل نشر اي عمل سواء ابداعاً او نقداً او ترجمة و ما عندي مكتوب و غير منشور اكثر مما هو منشور لاني دائما أسأل نفسي هل لو نشرت هذا العمل سيضيف لما قدمته أم لا؟أما الكاتب الكبير محمد جبريل فيقول (لعلي أنظر إلي الأمر من زاوية مغايرة، فلي مشروعي الذي أحاول إنجازه بالقراءة والتأمل والكتابة، وما أكتبه يحاول ـ بالسرد الفني ـ أن يعبر عن هذا المشروع. أسئلة كثيرة قد لا أحسن الإجابة عنها، لكنني أحاول، محورها المواطنة وصلة المثقف بالجماعة وصلته بالسلطة ومقاومة القهر في الداخل ومقاومة الغزو من الخارج. بتعبير محدد فإني أحاول أن تكون لي فلسفة حياة، أن يعبر مجموع أعمالي عن هذه الفلسفة الحياتية، ليس بمعني الميتافيزيقا، وإنما بكل ما أعيشه وأتعرف إليه وأختبره، سواء في التاريخ أو علم الاجتماع أو السياسة أو التراث أو الموروث أو الفلسفة أو علم الجمال إلخ. ربما تناولت الفكرة الواحدة في أكثر من عمل، سعياً لتأكيدها، والفن في كل الأحوال ـ هو واسطتي ). في حين يري الشاعر أشرف البولاقي أن (علينا أن نتفقَ أولا علي أن كل مبدعٍ أو كاتب مهمومٌ بنشر إبداعه، وأن عمليةَ النشر هذه تحتلُ مساحةً كبيرة من سعيه ومشروعه، وله أن ينشر كل ما يراه هو صالحاً للنشر ودالاً عليه،، لكن التاريخَ يحدثنا ويؤكد لنا أن تحققَ المبدع وانتشارَه يلقي عليه مسئوليةً كبري في عملية الانتقاء والاختيار بين أعماله ليراجع ما ينشَر وما لا ينشر، لكنه هو التاريخ نفسُه الذي يحدثنا ويؤكد لنا أن كثيرًا من أعمال هؤلاء المبدعين المتحققين الأولي تجد طريقها - إما بعد تحققهِم أو بعد رحيلِهم - للنشر ونراها بخط أيديهم أحيانا وكمسودات أحيانا أخريربع شاعر ونصف ناقدمن يطالع مقدمة الكاتب الكبير - شفاه الله - فاروق عبد القادر لمسرحية إيزيس حبيبتي لميخائيل رومان، سيكتشف أن أقل من ربع أعماله فقط هو المنشور، ولم يعرض مسرحيا أيضا، ورغم ذلك تحقق "رومان " كاتبا مسرحيا له قدره، ولن نذهب بعيدا وبين يدينا قصيدة "عمرو بن كلثوم " ألا هبي بصحنك " والتي لم ينشد غيرها، ومن هنا يري القاص والروائي فكري داود أن العبث بعينه أن يستسلم الكاتب لنشر ما يكتبه كله، قائلا (إن الكاتب كثيرا ما يفاجأ بل ويدهش لبعض كتاباته، حتي لتبدو كأنها من نتاج غيره، وقد يسأل نفسه: ما هذه الروعة؟ كيف تأتي لي كتابة هذا؟والعكس صحيح، فقد يقول: يا لهذا العبث؟ لماذا كتبت هذا؟ وهنا يحسن عدم النشر..- كما أنك قد تجد نفسك في شكل ما أو نوع ما في الكتابة، وتري أن مشروعك الحقيقي لابد أن يتحقق عبرها...،هذا رغم إمكانية كتابتك لأنواع أخري وبتقنيات أخري، فتجد نفسك بالفعل محجما عن نشر هذا الأخير، خوفا من الشتات، أو التعدد التصنيفي...، والأفضل أن تكون روائيا عظيما مثلا، بدلا من نصف روائي، ونصف شاعر، وربع ناقد.. وهكذا.الشاعر الكبير عزت الطيري، بلهجته الساخرة يقول للقاهرة (ولو زرتني في مكتبتي لفتحت لك أدراج خزائني لتجد عشرات القصائد التي لم ولن أنشرها ولوجدت أكثر من مجموعة شعرية أضربت عن نشرها لشعوري أنها لا تمثل عزت الطيري وكان بإمكاني نشرها لأنني تقريبا لا أعاني كثيرا من مسألة النشر ولا أعاني ماديا بدرجة كبيرة والحمد لله فالحالة مستورة وكان بإمكاني نشرها علي نفقتي الخاصة لو أردت ذلك..الكاتب سمير الفيل له رؤية متكاملة، حيث يري (أول ما كتبت مجموعة قصصية علي شكل رسائل أخذت عنوان " أوراق الخريف" وهي تجربة سردية مبكرة ـ لاحظ العنوان الرومانسي ـ، ذهبت بها لصديقي الرسام السيد الخميسي ـ أستاذ كلية تربية دمياط حاليا ـ ليرسم الغلاف وكان بالزيت ومرت النسخة الوحيدة علي أيدي الأصدقاء بدار المعلمين سنة 1969. بعد أن قرأت الكثير من روايات الأدب العالمي شعرت بضآلة التجربة إلا أنني احتفظ بالمخطوط تحت يدي كشيء من ذكريات أيام " الصبا والشباب " البائسة !.هل من علاج ؟ربما لم يفطن كثير من أدبائنا لهذه الإشكالية، لكنها واقع مخيف، نشر كثير بلا إبداع، الأستاذ محمد جبريل يقول (أذكرك بأبطال همنجواي الذين يسقطون فيما يشبه الانتصار، وبثلاثية الدين والعلم والعدالة الاجتماعية في أعمال نجيب محفوظ، وفي دلالة العبثية عند ألبير كامي. وغيرهم. ما أريده في فلسفة الحياة أن تكون تعبيراً عن رؤيتي الخاصة. يهمني القارئ ولكن ليس إلي حد أن يسيطر علي تفكيري، أن أعني بماذا يريد، الأهم أن أناقش ما أريده، ما أريد تناوله، الفن وسيلة،حياة، مبتدأ ومنتهي، إذا تسللت الجهارة والتقريرية والمباشرة فإن الأولي بذلك دراسة أو مقال. الفن يعبر عن فلسفة الحياة، أو هذا هو ما يشغلني، شريطة أن يظل الفن فناً، يحمل قيمة الفن وخصائصه ورؤاه.. القاص نشأت المندوي وهو قاص عراقي مميز يعيش بأمريكا، أصدر عدة اعمال قصصية، يقول "للقاهرة " (انا هنا في حيرة من امري فلاادري هل ماتقصد هو إتلاف الإنتاج الأدبي ام عدم نشره او إلقائه في سلة المهملات.فالفكرة غير واضحه لي واعذرني عن الالتباس ثم كيف لإنتاج رديء ان يسهم في تقدم الادب اذا ما ركن هذا الإنتاج في الزوايا ولم تسطع عليه ضياء القراءة او تكتشفه عيون الناس).أما الشاعر أشرف البولاقي، فيعدها جريمة فيقول (إن ما يلجأ إليه البعضُ من التخلص من بعض أعماله للظن أو الاعتقاد أنها غيرُ صالحةٍ أو ليست علي قدر تحققهم فهو - في تصوري - خطأ وجريمة خاصة إذا كان المبدعُ حقيقياً وصاحب بصمة وله منجز ومشروع لأن مثل تلك الأعمال - بغض النظر عن مفهوم القيمة.الشاعر العراقي عبد الخالق زامل الساعدي يري أن هذا (لا يسهم في نهضة الادب،وذلك لأن من يتعمد ذلك،يحفر حفرة صغيرة تتوسع كلما زاد عدد الكتاب الذين يتخلون عن قدر ما من اعمالهم،اظن ان المبدع هو انسان ولا اظن كل الذي يكتبه هو ابداع في ابداع،لذلك كلما كان المبدع صادقا مع ذاته ومجتمعه كلما ازداد تقديرا ورفعة.دكتور جمال التلاوي يؤكد رأيه قائلا (أنا لي رأي شخصي في ما نشره كاتبنا الكبير نجيب محفوظ في سنواته الأخيرة من قصص قديمة كان يرفض حين كتبها نشرها فهذه اعمال اقل بكثير مما وصل إليه نجيب محفوظ ولكن ربما يكون المبرر لذلك انها تنشر والقارئ يعرف انها يجب ان تقرأ في سياقها التاريخي و الا لنالت من نجيب محفوظ كثيرا.بينما يختصر سمير الفيل الأمر بقوله (باستثناء العباقرة الأفذاذ ومن هم قريبون منهم من امثال كافكا ودستويفسكي ونجيب محفوظ وهيمنجواي وكازنتزاكي وكامو فكل كاتب بحاجة ماسة لمراجعة إبداعه والتأكد من صعود أسهمه جرأة وكشفا وابتكارا وإلا ظل في حالة "محلك سر"!.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على الحوار من المصدر إضغط هنا<

الأدب الحلال يثبت التصور الديني ويقدم القدوة ويطلق ملكات الإبداع

الأدب الحلال يثبت التصور الديني ويقدم القدوة ويطلق ملكات الإبداع

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 10 ـ 8 ـ 2010

يري العلامة محمود شاكر أن "رأس كل ثقافة هو" الدين " بمعناه العام، والذي هو فطرة الإنسان - أي دين كان - وبقدر شمول هذا الدين لجميع ما يكبح جموح النفس الإنسانية ويحجزها عن أن تزيغ عن الفطرة السوية العادلة، بقدر هذا الشمول وهذا التغلغل في بنيان الإنسان، تكون قوة العواصم التي تعصم صاحبها من كل عيب قادح ".

ويؤكد شاكر في مقدمته لكتاب المتنبي، والتي جعلها كتابا منفصلا بعنوان ( في الطريق إلي ثقافتنا ) يؤكد أنه أمضي عقدا من عمره ضائعا حائرا حتي ثبتت عقيدته القائلة بوجود فساد في جميع المذاهب الأدبية النافرة عن أصل عقيدتنا، وطبيعة ثقافتنا.وقد انطلقت دعوات بلا حصر، لربط الأدب بالدين، والبحث عما سموه " أدب إسلامي " وشعر إسلامي ومسرح إسلامي إلخ.. ومن هذه المساعي الحميدة بحث أستاذنا الجليل المرحوم د.حسين علي محمد، الذي توفي مؤخرا في 21/7/2010م.يقرر د.حسين علي محمد في كتابه المهم ( القرآن ونظرية الفن ) أن الالتزام الديني يظل سياج أمان للمبدع، وأن الانفلات عنه هو انفلات عن هويتنا.

الأدب الحلال.. والمقاومة

صدر الكتاب عام 1979م للمرة الأولي، في ثلاثة فصول، ثم تعددت دراسات مؤلفه، بعد حصوله علي الدكتوراه، وعمله في التدريس الجامعي، فأصدر طبعة جديدة عام 1992م تحتوي خمسة فصول، الأهم أن الكتاب - في طبعتيه - احتوي رؤية صاحبه اللي اجتهد فيها حول فكرة " الحلال والحرام في الفن " ويقصد بالفن هنا الفن الكلامي (الشعر والقصة والمسرح ) مؤكدا أن التصور الإسلامي للأدب الحلال أنه الأدب الذي يقوم بمجموعة متكاملة من الأدوار، أولها: تثبيت التصور الديني وترسيخه، منتقدا في ذلك الاستخفاف بالأمور العقيدية، ولو كان علي سبيل الاستعارة أو التشبيه، وقد مثل لذلك بتسمية أحد المسرحيين عمله المسرحي بعنوان (الراجل اللي ضحك علي الملايكة ) - المسرحية لعلي سالم عرضت علي مسرح الحكيم في 20أكتوبر 1966م بعد تغيير عنوانها إلي " الراجل اللي ضحك علي الأبالسة ". وقد تسبب التغيير في موجة غضب عارمة عند النقاد سامي داود، ورشدي صالح وأمير اسكندر وصالح مرسي وفتحي خليل ووحيد النقاش ومحمد بركات وفاروق عبد الوهاب، وجميعهم أجمعوا علي انتقاد الرقابة في تغيير الاسم الذي يتعارض بفجاجة مع أحداث المسرحية.( مؤلفات علي سالم - ج 3 هيئة الكتاب عام 94).ثم يعرض الباحث لمسرحية د. أحمد شوقي الفنجري وعنوانها "بلال الحبشي" والتي تطرح مفهوما عميقا للتوحيد وقيمته:بلال : أحدٌ أحدْأمية : أما تفتأ تردد هذه الكلمة ؟ فخذ بالسوط حتي يخرس لسانك.بلال : أحد.. أحد.أمية: ردد ما تشاء.. أحد أحد، فإن لم يسكتك سوطي يا بلال، فسوف يجف حلقك.يري الباحث أن هذه المسرحية ستدفع بالقارئ إلي ساحة التوحيد، وستحرضه علي أن يتعرف الإسلام باعتباره منهاج حياة كامل.ثم يذكر الباحث الدور الثاني للأدب، وهو تقديم النماذج والقدوات، مقدما نماذج لأعمال مثل مسرحيتي "الحسين ثائرا " و" الحسين شهيدا " حيث يري في هذه الأعمال وفي أعمال عدنان مردم بك وعلي أحمد باكثير قيمة دينية عميقة من خلال نمذجة الشخوص الفاعلة في تاريخ المسلمين.وإن كان قد لام مؤلف «الحسين ثائرا» علي بعض الألفاظ التي جاءت علي لسان "سعيد بن سعيد أحد أصحاب الحسين، كقوله: ( ما تولي غير أولاد الأفاعي، ما تلوي غير أولاد الزني).ولا يتوقف الباحث الدكتور حسين علي محمد علي الأعمال التاريخية والدينية فقط، إنما يقدم مسرحية تتناول "دير ياسين " التي كتبها شعرا عدنان مردم. ورأي فيها نموذجا "يناضل من أجل الكلمة الشريفة الحرة ويدافع عن المحارم ".ثم ينتقل للدور التالي وهو إطلاق الملكات المبدعة والدعوة للعمل الصالح، ويتوقف عند قصيدة طويلة للشاعر الكبير حافظ إبراهيم، يدعو فيها إلي الوقوف مع مشروع الجامعة، ولم يتحدث الباحث عن فنيات القصيدة ولا جمالياتها ، مستندا لدورها الاجتماعي وليس الجمالي، رغم أن العرب قالت قديما (الشعر نكد بابه الشر، فإن دخل الخير لان).ويستشهدون بضعف شعر حسان بن ثابت بعد تحوله للدفاع عن النبي والإسلام، وقد ظهرت نزعات جديدة تري أن الفن هو المجال الأخصب لممارسة الحرية، وخطاب التحريم يؤكد أنه حين تصبح المجتمعات فزعة من الحرية، يكون الفن ضحية هذا الفزع " كما يشير نصر أبو زيد.ثم يشير المؤلف إلي أهمية تأكيد الفن علي آدمية الإنسان باعتباره خليفة الله علي أرضه، ويتوقف عند قصيدة مبكرة للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، هي "مقتل صبي " من ديوانه الأول "مدينة بلا قلب" والتي تصور مقتل صبي تحت عجلات سيارة، وكيف انصرف الناس حين ( آن للساق التي تشردت أن تستكن/ وعندما ألقوه في سيارة بيضاء/ حامت علي مكانه المخوب بالدماء/ ذبابة خضراء).ثم يتوقف الباحث عند نماذج متعددة لمحمود حسن إسماعيل، وصابر عبد الدايم وحسن بن يحيي ومحمد بن عمارة، وهاشم الرفاعي، وغيرهم.وفي عرضه لديوان هاشم الرفاعي، نجد المؤلف ضد النزعة الخطابية التي سادت شعره، والتي قتلت الفن فيه، رغم أنه ديوان مثالي لتمثل حالة المقاومة، إلا أن الضجيج والخطابية المباشرة أفسدتا شاعريته، كقوله ( جلاد مصر ويا كبير بغاتها / مهلا، فأيام الخلاص دواني ).أيام في الحرام:ثم يقدم الباحث الدكتور حسين علي محمد تصورا لما يراه حراما في الفن، ويعدده في نقاط من أهمها : بلبلة التصور الديني، نشر الفساد في الأرض، تزيين الرذيلة، اتباع الهوي، وثنية التصور، فساد الرؤية وفساد الصورة، ويتوقف أمام نماذج لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، لكن الملاحظ أنه لم يلجأ مباشرة لما كتبوه إنما لما كتب عنهم، وهي مسألة ربما تعود لضعف المراجع وقت إعداد الباحث لبحثه في نهاية السبعينات، لكن الطبعة الثانية كانت فرصة طيبة للعودة للكتابات ذاتها، وتأملها بشكل عام وليس اجتزائيا، في جميع الأحوال، ساهم الكتاب - ضمن كتابات عديدة لمؤلفه في ترسيخ مفهوم عميق للأدب الإسلامي، مانحا القارئ الحق المطلق في الاتفاق أو الاختلاف. رحم الله د. حسين علي محمد الذي عاش مؤمنا بما يقول، صادقا فيما ينطقه.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<