الأدب الحلال يثبت التصور الديني ويقدم القدوة ويطلق ملكات الإبداع

الأدب الحلال يثبت التصور الديني ويقدم القدوة ويطلق ملكات الإبداع

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 10 ـ 8 ـ 2010

يري العلامة محمود شاكر أن "رأس كل ثقافة هو" الدين " بمعناه العام، والذي هو فطرة الإنسان - أي دين كان - وبقدر شمول هذا الدين لجميع ما يكبح جموح النفس الإنسانية ويحجزها عن أن تزيغ عن الفطرة السوية العادلة، بقدر هذا الشمول وهذا التغلغل في بنيان الإنسان، تكون قوة العواصم التي تعصم صاحبها من كل عيب قادح ".

ويؤكد شاكر في مقدمته لكتاب المتنبي، والتي جعلها كتابا منفصلا بعنوان ( في الطريق إلي ثقافتنا ) يؤكد أنه أمضي عقدا من عمره ضائعا حائرا حتي ثبتت عقيدته القائلة بوجود فساد في جميع المذاهب الأدبية النافرة عن أصل عقيدتنا، وطبيعة ثقافتنا.وقد انطلقت دعوات بلا حصر، لربط الأدب بالدين، والبحث عما سموه " أدب إسلامي " وشعر إسلامي ومسرح إسلامي إلخ.. ومن هذه المساعي الحميدة بحث أستاذنا الجليل المرحوم د.حسين علي محمد، الذي توفي مؤخرا في 21/7/2010م.يقرر د.حسين علي محمد في كتابه المهم ( القرآن ونظرية الفن ) أن الالتزام الديني يظل سياج أمان للمبدع، وأن الانفلات عنه هو انفلات عن هويتنا.

الأدب الحلال.. والمقاومة

صدر الكتاب عام 1979م للمرة الأولي، في ثلاثة فصول، ثم تعددت دراسات مؤلفه، بعد حصوله علي الدكتوراه، وعمله في التدريس الجامعي، فأصدر طبعة جديدة عام 1992م تحتوي خمسة فصول، الأهم أن الكتاب - في طبعتيه - احتوي رؤية صاحبه اللي اجتهد فيها حول فكرة " الحلال والحرام في الفن " ويقصد بالفن هنا الفن الكلامي (الشعر والقصة والمسرح ) مؤكدا أن التصور الإسلامي للأدب الحلال أنه الأدب الذي يقوم بمجموعة متكاملة من الأدوار، أولها: تثبيت التصور الديني وترسيخه، منتقدا في ذلك الاستخفاف بالأمور العقيدية، ولو كان علي سبيل الاستعارة أو التشبيه، وقد مثل لذلك بتسمية أحد المسرحيين عمله المسرحي بعنوان (الراجل اللي ضحك علي الملايكة ) - المسرحية لعلي سالم عرضت علي مسرح الحكيم في 20أكتوبر 1966م بعد تغيير عنوانها إلي " الراجل اللي ضحك علي الأبالسة ". وقد تسبب التغيير في موجة غضب عارمة عند النقاد سامي داود، ورشدي صالح وأمير اسكندر وصالح مرسي وفتحي خليل ووحيد النقاش ومحمد بركات وفاروق عبد الوهاب، وجميعهم أجمعوا علي انتقاد الرقابة في تغيير الاسم الذي يتعارض بفجاجة مع أحداث المسرحية.( مؤلفات علي سالم - ج 3 هيئة الكتاب عام 94).ثم يعرض الباحث لمسرحية د. أحمد شوقي الفنجري وعنوانها "بلال الحبشي" والتي تطرح مفهوما عميقا للتوحيد وقيمته:بلال : أحدٌ أحدْأمية : أما تفتأ تردد هذه الكلمة ؟ فخذ بالسوط حتي يخرس لسانك.بلال : أحد.. أحد.أمية: ردد ما تشاء.. أحد أحد، فإن لم يسكتك سوطي يا بلال، فسوف يجف حلقك.يري الباحث أن هذه المسرحية ستدفع بالقارئ إلي ساحة التوحيد، وستحرضه علي أن يتعرف الإسلام باعتباره منهاج حياة كامل.ثم يذكر الباحث الدور الثاني للأدب، وهو تقديم النماذج والقدوات، مقدما نماذج لأعمال مثل مسرحيتي "الحسين ثائرا " و" الحسين شهيدا " حيث يري في هذه الأعمال وفي أعمال عدنان مردم بك وعلي أحمد باكثير قيمة دينية عميقة من خلال نمذجة الشخوص الفاعلة في تاريخ المسلمين.وإن كان قد لام مؤلف «الحسين ثائرا» علي بعض الألفاظ التي جاءت علي لسان "سعيد بن سعيد أحد أصحاب الحسين، كقوله: ( ما تولي غير أولاد الأفاعي، ما تلوي غير أولاد الزني).ولا يتوقف الباحث الدكتور حسين علي محمد علي الأعمال التاريخية والدينية فقط، إنما يقدم مسرحية تتناول "دير ياسين " التي كتبها شعرا عدنان مردم. ورأي فيها نموذجا "يناضل من أجل الكلمة الشريفة الحرة ويدافع عن المحارم ".ثم ينتقل للدور التالي وهو إطلاق الملكات المبدعة والدعوة للعمل الصالح، ويتوقف عند قصيدة طويلة للشاعر الكبير حافظ إبراهيم، يدعو فيها إلي الوقوف مع مشروع الجامعة، ولم يتحدث الباحث عن فنيات القصيدة ولا جمالياتها ، مستندا لدورها الاجتماعي وليس الجمالي، رغم أن العرب قالت قديما (الشعر نكد بابه الشر، فإن دخل الخير لان).ويستشهدون بضعف شعر حسان بن ثابت بعد تحوله للدفاع عن النبي والإسلام، وقد ظهرت نزعات جديدة تري أن الفن هو المجال الأخصب لممارسة الحرية، وخطاب التحريم يؤكد أنه حين تصبح المجتمعات فزعة من الحرية، يكون الفن ضحية هذا الفزع " كما يشير نصر أبو زيد.ثم يشير المؤلف إلي أهمية تأكيد الفن علي آدمية الإنسان باعتباره خليفة الله علي أرضه، ويتوقف عند قصيدة مبكرة للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، هي "مقتل صبي " من ديوانه الأول "مدينة بلا قلب" والتي تصور مقتل صبي تحت عجلات سيارة، وكيف انصرف الناس حين ( آن للساق التي تشردت أن تستكن/ وعندما ألقوه في سيارة بيضاء/ حامت علي مكانه المخوب بالدماء/ ذبابة خضراء).ثم يتوقف الباحث عند نماذج متعددة لمحمود حسن إسماعيل، وصابر عبد الدايم وحسن بن يحيي ومحمد بن عمارة، وهاشم الرفاعي، وغيرهم.وفي عرضه لديوان هاشم الرفاعي، نجد المؤلف ضد النزعة الخطابية التي سادت شعره، والتي قتلت الفن فيه، رغم أنه ديوان مثالي لتمثل حالة المقاومة، إلا أن الضجيج والخطابية المباشرة أفسدتا شاعريته، كقوله ( جلاد مصر ويا كبير بغاتها / مهلا، فأيام الخلاص دواني ).أيام في الحرام:ثم يقدم الباحث الدكتور حسين علي محمد تصورا لما يراه حراما في الفن، ويعدده في نقاط من أهمها : بلبلة التصور الديني، نشر الفساد في الأرض، تزيين الرذيلة، اتباع الهوي، وثنية التصور، فساد الرؤية وفساد الصورة، ويتوقف أمام نماذج لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، لكن الملاحظ أنه لم يلجأ مباشرة لما كتبوه إنما لما كتب عنهم، وهي مسألة ربما تعود لضعف المراجع وقت إعداد الباحث لبحثه في نهاية السبعينات، لكن الطبعة الثانية كانت فرصة طيبة للعودة للكتابات ذاتها، وتأملها بشكل عام وليس اجتزائيا، في جميع الأحوال، ساهم الكتاب - ضمن كتابات عديدة لمؤلفه في ترسيخ مفهوم عميق للأدب الإسلامي، مانحا القارئ الحق المطلق في الاتفاق أو الاختلاف. رحم الله د. حسين علي محمد الذي عاش مؤمنا بما يقول، صادقا فيما ينطقه.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<