عمرو حسني: كثير مما يقدم للأطفال يكرس الفتنة الطائفية!

عمرو حسني: كثير مما يقدم للأطفال يكرس الفتنة الطائفية!

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 26 ـ 7 ـ 2011

رغم أهمية مجلة الطفل ودورها في تشكيل وجدانه وخياله، بل وقيمه، فلايوجد في مصر سوي عدد قليل جدا من المجلات، ربما لا يتعدي أصابع اليد الواحدة، لكن تبقي مجلة " قطر الندي " هي المجلة الأكثر مصرية، والأقرب للطفل بحكم سعرها ومضمونها، وتاريخها القديم، منذ صدور العدد الأول من المجلة في 15 يونية عام 1995م، وعبر هيئات تحرير متعددة منهم شعراء كبار، وصلت رئاسة التحرير للشاعر عمرو حسني، وهو أحد المتخصصين في أدب الطفل، وله صلة بالأدب الغربي المقدم للطفل، بسبب عمله في تعريب أعمال صادرة عن والت ديزني وغيرها، وهو شاعر معروف، أصدر دواوين منها «الولد الشايب 87، عالم تاني 2000م، في الوقت الضايع 2008م» وللأطفال له "حكاية في كحكاية" كما أصدر رواية قصيرة بعنوان " أسد علي رف الدنيا " وكرر التجربة أخيرا فأصدر رواية «تنفس صناعي» العام الماضي.. حول «قطر الندي» وأدب الطفل، كان الحوار : > كادت مجلات الأطفال في مصر تنحسر حتي صارت تعد علي أصابع اليد الواحدة، بعد أكثر من خمسة عشر عاما علي صدورها، هل تعاني قطر الندي من ندرة القارئ؟ أليس غريبا أن يكون لدينا عشرون مليون طفل وخمس مجلات فقط لهم ؟ - قطر الندي حالياً لا تعاني ندرة القارئ، ولكنها تعاني عدم قدرة الهيئة علي زيادة عدد النسخ، فنحن نطبع 9 آلاف نسخة ولا يعود إلينا مرتجع إلا في أضيق الحدود وذلك بشهادة توزيع الأخبار حيث يتخطي توزيعنا 90% ولا يقل عن 80% وهذا يثبت أن السوق متعطش إلي تلك النوعية من المجلات. > عبرت بالمجلة من عصر إلي عصر، فهل تغيرت سياستها التحريرية بعد ثورة 25 يناير ؟ وهل مطلوب من مجلة أطفال أن ترتفع بوعي الطفل سياسيا ؟ باختصار الفن أم الفكر ؟ وهل أنت ضد التوجيه القومي أو الفكري للطفل ؟ - سياسة المجلة التحريرية كانت ومازالت مع العدالة والمساواة وضد التطرف والتمييز ومع حرية العقل والخيال وضد الأنماط الجاهزة المستهلكة التقليدية التي تقدم للناشئة وعليه فالثورة تمثل لنا صحة الاختيار الذي تبنته قطر الندي. في حقيقة الأمر الارتفاع بوعي الطفل لا يمكن تقسيمه إلي سياسي وغير سياسي، فعندما ترتفع بذائقة الطفل الفنية والأدبية يرتفع وعيه في كل مناحي الفكر، ولا يمكن مطلقاً التفرقة ما بين الفن والفكر بشكل تعسفي. فأنت تقدم فناً يعكس أفكارك، يرقي برقيها ويتخلف بتخلفها، وأنا مع التوجيه القومي شريطة أن يقدم بطريقة فنية جميلة وغير مباشرة تبتعد عن الخطاب الإرشادي الفج. التكرار > هناك شكوي لدي بعض متابعي قطر الندي من تكرار أسماء بعينها كل عدد، هل تري هذا الأمر عيبا أم ميزة ؟ وما دافعه لديكم ؟ -عندما نكتشف كاتباً أو رساماً جيداً نقدمه بلا تردد، لكننا نعتمد بالطبع علي البعض ممن يقدمون منتجاً فنياً راقياً وهذا يشبه ما يقال عن تثبيت التشكيل في فرق الرياضات الجماعية حتي تضمن لها ثبات المستوي، فلا يعقل أن أقدم أعمالاً متوسطة القيمة الفنية فقط لكيلا يقال أننا لا نعتمد علي أسماء بعينها. > لاحظت كثرة القصص المصورة بشكل لافت في المجلة رغم أن رئيس تحريرها شاعر، فهل الشعر بينه وبين الطفل سد منيع؟ وكيف نسعي لهدم هذا السد؟ - القصص المصورة هي الوجبة الرئيسية في مجلات الناشئة، وهي تقدم منتجاً راقياً تتضافر فيه فنون مختلفة إن أحسن صناعتها، ولكن هذا لا يمنعنا مطلقاً من تحقيق التوازن فيما نقدمه من قصص سردية وأشعار بالفصحي والعامية فضلاً عن الآداب المترجمة. نحن نبتعد فقط وبقدر الإمكان عن الموضوعات الصحفية والتغطيات المملة التي لا أري لها مكاناً في مجلات تعني بتقديم الفن للناشئة في المقام الأول. لا وجود لسد منيع بين الطفل وبين الشعر. ذلك السد المنيع يوجد في الحقيقة بين الشعر وبين الشعراء، وعندما ينهار ذلك السد ستصل اشعارهم بسهولة للأطفال، ولكن يلزم لانهياره أن يبتعد أنصاف الشعراء عن الكتابة للطفل. > نعلم أن كثيرا من الكتَّاب يري الكتابة للطفل نزهة وترويحا ووسيلة لبعض مكافآت النشر، كيف تتعامل مع مشاهير كتابة الطفل في مصر؟ مع العمل أم مع الاسم ؟ وهل تسعي للبحث عن رسامين وكتَّاب جدد، خاصة أن كثيرا من مشاهير الكتابة والرسم للطفل من خريجي مدرسة " قطر الندي " مثل محسن رفعت، رحاب محيي، رحاب عبدالله، دعاء العدل، محمد عبدالله، رشا هاني، هاني دراج، رأفت محيي الدين، محسن عبدالحفيظ، فوزي مرسي، رشا منير.. ومثلهم من الكتًّاب؟ - لا أضع في اعتباري أي مقياس غير جودة العمل وابتعاده عن الأنماط المكررة المستهلكة، وقطر الندي قدمت الكثير من الأسماء الجديدة ولم ولن تغلق الباب أمام كل من يقدم عملاً متميزاً. > في ديوانك " حكاية في كحكاية " نشعر أن المسألة الحاكمة الأولي هي مجابهة التطرف من خلال التعالي بالدين إلي آفاق رحبة من التسامح والمحبة وهي دعوة الدينين العظيمين في مصر، ألا تري أن هذه الفكرة أرقي من مستوي تلقي الطفل ؟ - التحدث عن العدل والمساواة ليس أرقي من مستوي الطفل واعذرني إن قلت لك أن ذلك التعبير "أرقي" يذكرني بحديث النخبة المثقفة عندما تتهم جموع الشعب بالجهل لتبرر فكرة فرض وصايتها.عليه. بالطبع هناك أشياء لا ينبغي أن تقدم للصغار، لكن تجنب تقديم مفاهيم المساواة والحق في الاختلاف يعكس في بعض الأحيان عدم إيمان الكبار ـ من المحافظين - بتلك المفاهيم وخوفهم من انتشارها، فلا يعقل أن يكون هناك ارتباط شرطي بين القيم وبين تراث ديني بعينه مهما كان رقيه وإنسانيته بما يوحي لمن لا يعتنقونه من ناشئة بأن أديانهم وأديان آبائهم أقل إنسانية أو لا تحض علي الخير! وإصرار الكتاب علي ذلك علي مر الأجيال يعد جريمة في حق الوطن. هذا ما أعنيه بضرورة الإصرار علي المساواة التي تعد أول المفاهيم التي تكرس لاحترام الحق في الاختلاف. الفتنة الطائفية > قلت من قبل إن أدب الأطفال في مصر يكرس للفتنة، أليس هذا التعميم صعبا ؟ وهل يمكن وضع اليد علي مطبوعات أو دواوين أو كتب للاطفال تكرس للتفرقة بين المسلم والمسيحي ؟ - قلت غالبية ما يقدم للأطفال ولم اقل كل لأنني أعتبر نفسي واحداً ممن لا يقدمون أدباً يكرس للفتنة، وبالطبع لم أقل "كل" لأن ذلك التعميم يعني أنني أتجاهل ذلك الفريق الذي أتشرف بالانتماء إليه! وهذا ما لم يحدث. بالنسبة للكتب التي تكرس للطائفية اسمح لي أن أعود إليك بالسؤال قائلاً : هل تمزح؟ مئات العناوين المطروحة بالأسواق تحتوي علي قصص تشير إلي أحاديث نبوية أو قدسية شريفة بنصوصها، وأري أنه كان يمكن لها أن تستلهم تلك المفاهيم الرائعة الموجودة بها في كتابة قصص لكل الأطفال بدون الإشارة إلي المصدر بحيث لا تحرم الآخر من الاستمتاع والاسترشاد بها. > جلس علي كرسي رئيس تحرير قطر الندي أسماء محترمة: حسين مهران، أحمد زرزور، عبد الرحمن نور الدين، محمود الهندي، محمد كشيك وعمرو حسني - مع حفظ الألقاب والترتيب أيضا .. ماذا أضفت لهذا العقد المبهر كرئيس للتحرير ؟ وهل هناك دور تحريري مؤثر لهيئة التحرير ؟ - يجب أن أترك الحديث عن هذا لغيري، فلا يصح أن تقيم عملك والأجدر أن تترك هذا الأمر لغيرك. لكنني أجتهد في تقديم الأعمال غير التقليدية وأبتعد بقدر الإمكان عن الكليشيهات المحفوظة المكررة وأحاول أن أقدم مادة فنية راقية للصغار بدون أي تفرقة .. وأتمني أن أكون قد نجحت في جزء من ذلك. > ريادة أدب الأطفال ليست في مصر الآن مع وجود مجلة بقيمة "ماجد " هل ما يصنع المجلة المال أم الأشخاص أم الإدارة ؟ خاصة أن معظم كوادر ماجد مثلا من المصريين. - اسمح لي أن أتعجب من قولك بأن ريادة أدب الأطفال ليست في مصر بينما تعترف في ذات الوقت بأن المجلة التي تزعم بارتفاع قيمتها يصنعها أغلبية من المصريين؟ ألا يعد هذا تناقضاَ وقعت به؟ ولعلمك أنا أري أن الكتَّاب المصريين الذين يعملون بتلك المجلات لا يستخدمون سوي أرباع مواهبهم فقط نظراً للقيود التي يكبلهم بها أصحاب رأس المال. المجلات يا عزيزي شأنها شأن أي سلعة ثقافية تطرح بالأسواق، يصنعها الفكر الحر وأصحاب المواهب ثم يأتي بعد ذلك دور الإدارة الجيدة ورأس المال، فهما بمفردهما في غياب الحرية والموهبة لا يمكنهما تقديم أي منتج ثقافي له قيمة فكرية وفنية عالية يكتب لها البقاء.

بقلم إبراهيم محمد حمزة

>للاطلاع على المقال من المصدر إضغط هنا<